في مسرح العبث أو اللامعقول والذي سُمِّي بأكثر من مسمى مثل الكوميديا المظلمة أو السوداء أو كوميديا المخاطر ومسرح اللا توصيل، تأتي (مسرحية الغرفة) أو (مسرحية الكراسي) لتتجاهل عنصر الزمن وتجعله غير ذي أهمية تذكر، وكذلك العقدة أو الحدث فلم يجعلوا لها العبثيون وجوداً في مسرحياتهم، وإضافة إلى ذلك فقد عادوا بالمسرحية إلى الفصل الواحد والعدد المحدود من الشخصيات. أهم ما في مسرح العبث بعيداً عن الزمان والمكان والحبكة هو الحوار، مع أنه يكون غامضاً مبهماً مبتوراً تعوزه الموضوعية والترابط والتجانس. وكل شخوص المسرحية العبثية تتحدث دون أن يتمكن أحد منهم من فهم الآخر. ولا من توصيل رسالته للآخر، الحوار دائماً مبتور ولا تستطيع الشخصيات توصيل رسائلها، وقد بالغ كتاب العبث فجعلوا بعض الشخصيات تتكلم ربما كلمة أو كلمتين عند نهاية المسرحية تلخص السخط العام والغضب الشديد، أحياناً تصل بنا المسرحيات العبثية إلى ما هو أصعب من ذلك فنراها تقدم لنا شخصية الأخرس كشخصية رئيسية في مسرحية ما مثلما حملت الاسم مسرحية(النادل الأخرس).
في رام الله عرضت ليلة أمس مسرحية اللجنة المركزية " الرئيس لما زعل " في اجتماعها الحربي الصامت الأخرس الأخير الذي كان قد أملاه السيد الرئيس بكلمتين يا معي يا معو والتي كتب السيناريو فيها قديما حسين الشيخ وراجعه الطيب عبد الرحيم وقبض ريع العرض المسرحي جبريل الرجوب ..
في رام الله صدرت الهمهمات المبهمة والمبتورة منكرين الزمان والمكان وقالوا فلتذهب غزة إلى الطوفان في عرض مسرحي أسود تعوزه الموضوعية والترابط والتجانس كما هم يفهموها بالفصل الجغرافي والتمييز العنصري بين شعب وشعب . هكذا كانت الليلة الأولى في مسرحية " الرئيس لما زعل " في تراجيديا العبث واللامعقول.
معركة التوريث في الحكم بدأت منذ يناير أي قبل ستة أشهر بمحاولة الإطاحة بالشخصية الأقوى والقفز في الهواء فكان الإخراج بائساً يحتمل مرور التوصيات لتصبح قرارات وجس النبض بطريقة أقرب للتهويش في شهر الانقلابات الحزين " يونية " وفي نفس الليلة التي تمت فيها المأساة الأولى في الانقلاب من أبو مازن /حماس لتصبح هذه المرة مأساة أبو مازن/ اللجنة المركزية، والله يعينك يا دحلان مرة حماس ومرة أبو مازن ومرة ليبيا ومرة سوريا ومرة لبنان ومش عارفين إيش يحطوا فيك، وفي الآخر بدهم يطردوك، كيف أنتا أكثر أصوات بدائرتك الانتخابية وأنت عضو لجنة مركزية من حصة غزة الضئيلة جداً في المجلس الثوري واللجنة المركزية، وهل هذه توصيات يحاولون تمريرها؟ فإن‘ن سكت أو سكتت غزة تصبح قرارات وإن تصرفت كقائد لفتح ولا نحبذ التجريح والفضائح فهم لا ينقصهم المأزق الذي يطارد الرئيس بفشل أوسلو ونراه في كل مبادرة موافق قبل قراءتها فالرجل في وضع لا يحسد عليه من الأزمة ويحاول كسر ما يراه بقربه في مسرحية " الرئيس لما زعل "ولكنك دحلان لست فخاراً للأسف فقد تاه المخرج وكاتب السيناريو وهما الأخطر على فهم شعبنا ومُراجع السيناريوهات قد قضى على غالبية زعماء فتح السابقين .
ولا أدري كيف يتصرف الممثل الوحيد الناطق في المسرحية الخرساء بسلام فياض الأبدي في رحلة إفشال جديدة للمصالحة التي انتظرها شعبنا بكل معاناته وكأن الأمريكان لن يدفعوا ولن يسمحوا لغيرهم بالدفع إذا خرج سلام فياض من المسرح السياسي وعندها تسقط السلطة المفلسة في حينه ويثور المنتظرين راتب آخر الشهر وتصبح السلطة بلا معنى مادام ليس لديها رواتب وهذا ما فعله الرئيس وليس الموظفين فهو مهندس أوسلو ولا يريد المغادرة بعد فشل أوسلو إلا بوجه حسن .
يا سيدي الرئيس إذا كنت تريد المغادرة أبيض الوجه فلا يجوز أن تكمل التراجيديا السوداء وأنت تعرف أبعاد هذا العرض المسرحي فهل وجوه الناس تريدها سوداء ليبيض وجهك ، ما هذا الحاكم؟ أليس دكتاتوراً مثل دول الجوار وأفظع؟ هناك كانوا يدافعون عن حكم وهنا لدينا حكم وتحرر فلا يجوز من ساكني مقاطعة رام الله المقامرة بمصير الوطن.
لقد باتت واضحة تلك المؤامرة "الصفقة" المسرحية السوداء في اجتماع واحد يوصى بطرد المرشح الأقوى للرئاسة ويقدم سلام فياض للوزارة الجديدة إن كانت هناك وزارة جديدة ويرشح للرئاسة الرجوب والعالول، إنها الصفقة المتكاملة لعناصر المؤامرة على الشعب لتدمير المصالحة أولا وثانيا لتشق فتح، فمناصري دحلان حوالي مليون، وكذلك تقدم مرشحين للرئاسة مبكرا ودون تحديد حتى موعد الانتخابات والتيقن من المصالحة فما هو هذا؟ أليست هذه مؤامرة كبرى في وضح النهار؟
هناك بعدا شخصيا متكاملا في هذه المسرحية وهذا أخطر الأبعاد في الحاكم إذا ما تصرف على هذا النحو وبهذا تدفع في المقابل الشخص الآخر إلى الدفاع بكل قوة عن نفسه، أليس هذا منطق الأشياء ؟ أليس أنت تهاجم بقوة عن شخصك فلا تتصور في المقابل أن الشخصنة تدار بغير هذه الطريقة ، ولعل في التذكير بحكم الزمان فائدة حين قال أعرابي " إن أي جريمة قتل تفتح قبرين للقاتل والمقتول" .
كفا هذا الشعب صراعات تطيح بآماله فحسابات المدينة غير حسابات البيدر، يجب أن يدفع الفشل الجميع للتماسك والعفو عن الأخطاء لكل الفتحاويين لأن الواقع والصراع على الأرض والحكم شرس في مقابل حماس إلا إذا كانت حماس مشاركة في ذلك وتمت هذه المسرحية بناء على طلبها وبدل أن تدرك سيادة الرئيس أن طرح الخصم يعني أن دحلان منافس قوي لهم فإنك تعطيهم الامتياز وأنت تعرف أنه منافس فتحاوي عنيد وقوي ولصالح حركتكم فكيف تريدون الحركة ضعيفة وهزيلة ؟
رد فعل الناس في غزة وحراكهم يجب أن يكون قوياً بقوة لإنقاذ حركتهم التي يراد تدميرها وإضعافها لصالح آخرين فيما لو أجريت الانتخابات، وسنرى هذا الشعور الفطري لدى الفتحاويين على ما يحدث وهو في تقديري كبير لأن أكثر الأعضاء في الأحزاب عاطفة تجاه فتح هم الفتحاويين فإن أقوى ما يجمعهم هو هذا الاسم والتاريخ والزعيم وهم ليسوا متعصبين ولكن الفطرة أحياناً تفوق في قوتها كل الايديولوجيات .
كلمة الفصل ستكون لغزة وماذا عليها أن تتصرف في مثل هكذا مواقف تسلبها قوتها ووطنيتها فالرجل دحلان منتخب من قطاع غزة تشريعيا وحائز على أعلى الأصوات في دائرته وله محبين كثر إن كنتم نسيتم وهو جزء من حصة غزة في اللجنة المركزية رغم قلة عدد شخصيات فتح غزة في المجلس الثوري واللجنة المركزية.
والشباب يرون بدحلان نموذجا ومثالا على القائد الذي يتمثلون به . وأطالبكم بوقف هذه المسرحية السوداء لكي لا يضيع كل شيء فأحياناً غلطة الحاكم تكون مدمرة والحكيم من تراجع عن الخطر وإن غداً لناظره قريب .
T8sharif@hotmail.com
www.dtalal.jeeran.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق