Translate

الأربعاء، 2 مايو 2012

 مواطن غربي يحمل ملامح شرقية


تتباين الرؤىٰ وتختلف وجهات النظر عند الحديث عن عرب الغرب[*] ؛ والسؤال الذي يطرح نفسه :
عن أي عربٍ نتحدث !؟ .
أعن عرب شمال أفريقيا ؛ المنطقة الغربية منه أو ما يسمىٰ بـ " المغرب العربي " ، ( تونس ، الجزائر ، المغرب ) وما بينهم من فروقات الهوية والإنتماء ، أم القادم من حوض النيل بشماله و وسطه وجنوبه ، أم عرب أسيا ، أم نجمل القول بكل مَن يتحدث اللسان العربي كـ أعضاء جامعة الدول العربية بدولها الـ 22 ، دون ملاحظة فارق الدين ودرجة مدنية وتحضر هذا العربي من قطر إلىٰ آخر .
مر علىٰ التواجد العربي في الغرب ما يقرب من نصف قرن من الزمان ، البعضُ جاءَ لتلقي العلمَ المتقدم في بلاد الغرب ؛ جزءٌ منه عاد إلىٰ وطنه والآخر بقىٰ لأسباب ؛ منها الزواج بـ امرأة غربية وكريم العيش وفرصة جيدة في عمل يتناسب مع المؤهل الدراسي الأكاديمي العالي ، والبعض جاء للسعي وراء لقمة عيش لم تلوث بذل أو إهانة ، والبعض ترك بلاده نتيجة الإضطهاد والإستبداد كـ لاجئ سياسي .
المجموعات الثلاث هذه وجدت فرصتها كاملها وعاشت أفضل من معيشتها في بلادها الأصلية ؛ لتواجد عوامل ثابتة كـ الحرية ؛ الديموقراطية ؛ حقوق المواطنة ؛ تقديم خدمات على مستوى إنساني لفرد يعيش في دول العالم الأول ، مع إحتياج دول الغرب لهذه القدرات الأكاديمية العالية وللعمالة الرخيصة من دول آخرىٰ ، كالتنسيق الذي تم ـ مثلا ـ بين تركيا ودول أوروبا ، مع بقاء النظرة السلبية للقادم العربي نتيجة ما تبثه وسائل الإعلام الغربية وما تنتجه مدينة صناعة السينما في هيوليود مِن أن رفيقه يوصف بأنه إرهابي أو متخلف عن مثيله الغربي حضارياً ومدنيا ً وما يتبع ذلك من سلوكيات وعادات وتقاليد لا يقبلها الغربي في وطنه ، مع بقاء رغبة البعض في ترك بلاد ما أطلق عليها " الربيع العربي " ليصل إلى دول غربية يعاني اقتصادها من مشاكل ومواطنيها من بطالة ، ووجود بشائر تغيير ترغب فيها كيانات ثورية وفي هيكل الدولة ونظامها ونسيج المجتمع .

العلاقة بين الغرب وأنظمة الحكم العربية اعتمدت علىٰ علاقة نظام حكم ديموقراطي بمؤسساته التي تقوم برعاية شؤون الإنسان مع فرد تسلطي ديكتاتوري يحكم دولة وشعب ـ كـ الحالة المصرية : ناصر ؛ السادات ؛ مبارك ـ أو الحالة السورية : الأسد الأب فـ الابن أو الحالة التونسية بن على وعائلة زوجته أو اليمنية : بن صالح وعائلته أو تعامل الغرب مع عائلة كالعائلات المالكة في دول الخليج ؛ وتم تنسيق جيد بين مخابرات كلا الطرفين ـ العربي والغربي ـ .
توجد تحديات ومشاكل أمام الوجود العربي في الغرب ؛ منها : التمييز العنصري ؛ و الإستعلاء علىٰ الآخر و إزدراءه مع علو و تنامي صوت التيار اليميني المتطرف ، والصورة النمطية عن العربي في ذهن الغربي والتي رسمها بعض المستشرقين في القرن الثامن عشر/التاسع عشر الميلادي ، ومازالت تلك الكتابات والـ غير موثقة ؛ هي المرجع الوحيد لمن يريد أن يعرف شيئاً ما عن العربي ، كما كشفت وكالة أنباء غربية أن هناك مادة تدرس في الجيش الأمريكي و منذ عام 2004م عنوانها الأساسي " الحرب مع الإسلام " . والبعض يرىٰ أن العربي يعيش خارج المنظومة التاريخية للأحداث وأنه يستعصي عليه فهم وإدراك الديموقراطية ناهيك عن تطبيقها وإيجادها في واقع الحياة السياسية أو عند ممارسة الدور النيابي عن الشعب في برلمانات الدول العربية ، و من ضمن هذه المشاكل والصعوبات التي تواجه العربي أيضاً ؛ في الغرب : أحداث 11 سبتمبر ، و ضعف الصوت الإعلامي العربي أو غيابه ، مع وجود عراكيل إما حياتية أو إجتماعية أو سياسية متجددة نتيجة التواجد العربي المتنامي علىٰ أرض الغرب ، والبعضُ رغب في العودة إلىٰ بلاده الأصلية ؛ نتيجة هذه الإزدواجية في المعايير عند التعامل فـ فلح البعض في البقاء والآخر عاد مرة ثانية .
العربي في المجمل لم يستطع أن يندمج بصورة كاملة في المجتمعات الغربية ، وهذا أدىٰ إلىٰ ضعف أداءه داخل منطقته التي يعيش فيها والبيئة ، بالطبع توجد تجارب ناجحة كــ التمثيل البرلماني ـ لكن يجب ملاحظة أن فريقاً من هؤلاء دمائه عربية وعقليته غربية أو عاشر المرأة الغربية تحت سقف واحد ـ مع وجود تجارب آخرى مغايرة تماماً في مناطق مختلفة في الغرب ـ أوروبا ؛ أمريكا ـ يشعر العربي أنه مواطن غربي أصيل وليس فقط يحمل جنسية غربية ـ .
الجيل الثاني والثالث من ابناء العرب في المهجر يلعب الأن دوراً مغايراً تماماً عن دور أبيه أو أمه ، فهو عربي الملامح غربي السلوك والتفكير ؛ يعرف كيف يخاطب الغرب بلغته التي يفهمها وبيده مفتاح الحوار ويقف علىٰ مفاصل الدولة كنظام حكم وتشريع وقريب من الأحزاب العاملة والناشطة في المجتمع ويتقن المفردات التي يخاطب بها الجمهور ، فـ الشاب العربي ؛ والمثقف يدركا أن الغرب مادي إنتهازي السياسة يبحث عن مصلحته ويرعاها ويجلب منافعه ويؤكد عليها ويغير بوصلة سفينته حين تهب الرياح الشديدة ، فتنتقل طاولة المفاوضات والمصالح من قاعة جلسَ فيها الرئيس السابق/المخلوع لتجلس في قاعة التشريفات نفس الحكومة الغربية أو الحزب الحاكم مع القادم الجديد ـ سواء التيار الإسلامي أو الليبرالي ـ مع بقاء يافطات عريضة تتحدث عن قبول التعامل مع مَن يمثل التيار الإسلامي (!) وتقديم ضمانات لم يطلبها أحد من رموزه كما حدث في كل من تونس ليبيا مصر .
فـ دور الشاب/الشابة ؛ الجيل الذي ولد في الغرب وترعرع فيه ينبغي أن يكون دوراً فاعلاً مؤثراً إجتماعياً وثقافياً وسياسياً ؛ خاصةً من درس وحصّل شهادة الثانوية و تلقىٰ تعليماً أكاديمياً ـ أما مَن وقف عند التعليم الإلزامي ؛ شهادة الإبتدائية والإعدادية : فـ تحصيله العلمي ومهنته التي يرتزق منها تجعله في الطبقة العاملة الكادحة فلا ترىٰ له اثرا في الحياة الإجتماعية ـ . وهذا الجيل هو القادر على التواصل مع الآخر سواء من خلال الشبكات الإجتماعية كــ فيسبوك أو تويتر أو الرسائل القصيرة فهو يملك لغة التواصل لهذا الزمن ويمكنه أن يؤثر إيجابياً في الأحداث والمواقف .
أما أماكن التجمعات العربية : فـ تنقسم إما إلىٰ هيئة رسمية معتمدة من قبل الدولة وهي تمارس الدبلوماسية في مواقفها أو آخرىٰ لا تمثل إلا من أوجدها كــ منتديات السمر أو مساجد بغض النظر عن المسمىٰ ، وهي تقدم خدمات إجتماعية ثقافية مما تحتاجها الأقلية إذ لا يوجد بديل .
الأقلية العربية تنقسم من داخلها إلىٰ جاليات ، وكل جالية بدورها تنقسم إلىٰ طوائف وفرق ، ثم أن كل طائفة منها أو فرقة تنقسم بدورها إلىٰ كتل وأجنحة ، ثم يوجد بين الجميع فرق إشعال الحرائق والفتن وإثارة النزاعات . وبالتالي لا يتمكن المرء منا من الحديث عن كتلة عربية موحدة أو واحدة ؛ .. عفواً .. تتجمع هذ الكتلة لحظة الأزمات أو ساعة المظاهرات ثم يعود كل فريق إلىٰ ما كان عليه من قبل . وبالتالي لا يمكننا أن نتحدث عن لوبي عربي واحد مؤثر ضاغط أو حتىٰ عدة جماعات ضاغطة ، إذ لا تجد علىٰ ظهر اليد تغييرا سياسيا في المواقف نتيجة وجود لوبي عربي في الغرب ـ الحالة الفلسطينية مثلاً ـ ، بل الملاحظ شخصيات لها وجود في الغرب تتعامل مع القوىٰ الفاعلة سواء السياسية منها أو الإجتماعية .
وبعد مرور أكثر من عام علىٰ الثورات العربية فما زال الدور السياسي للحكومات العربية والبعثات الدبلوماسية التي تمثلها والهيئات الإقليمية أو العالمية كـ جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الخليجي أو منظمة المؤتمر الإسلامي ؛ مازال دورها ضعيف وخجول ، ويطمح الكاتب ويطمع بعد وجود كيانات ثورية عربية ترعىٰ شؤون الدولة والمجتمع أن تتغيير هذه الصورة الباهتة وترتقى إلىٰ المعاملة بالمثل كي تتميز بالندية وليس التبعية .
مسألة الإنسجام الداخلي بين مكونات الفرقاء العرب مازال يحتاج إلىٰ أعمال كثيرة أو مشاريع جبارة كي يوجد . كما ينبغي القول أن البعض يستثمر هذه الفرقة بين عرب الغرب كي يحقق مصالحه الشخصية ومنافعه الآنية .

يعترف الكاتب بوجود ثلة النخبة أو فئة الصفوة .
لكن أين دورهم الفاعل المؤثر !!؟.
أو بتعبير آخر :
هل لديهم القدرة علىٰ التغيير وفق معايير ومقاييس مقبولة عند العربي والغربي ، أين يلتقي هذا مع الآخر .
الجالية الفلسطينية والسودانية والصومالية والعراقية كان لها ـ تاريخياً في الغرب ـ صوتا مسموعا ، أحداث دول الربيع العربي حصدت إهتمامات الغرب الرسمية والشعبية . فمنذ ديسمبر 2010 ـ بوعزيزي ـ مرورا بـ ميدان التحرير ـ مصر يناير 11 ـ و وقوفا بميدان صنعاء ـ اليمن ـ فالشارع السوري الأن ـ بعد مرور أكثر من اربعة عشر شهراً ؛ اقول : منذ أكثر من عام وجد في الغرب حراكاً عربياً في الشارع الغربي وميادين العواصم ، وجد حراكاً معارضا لأنظمة حكم ديكتاتورية حكمت البلاد والعباد أكثر من ربع قرن من الزمان ، الفارق الغريب العجيب أن الحكومات الغربية سندت الحكم المستبد في الدول العربية وما زالت تساند البعض منه خوفاً من السقوط ، فـ خلال أكثر من عام تحرك العربي في شوارع أمهات المدن الغربية يطالب بنفس حقوق رفيقه المواطن في الداخل ، والتحرك الشعبي العربي في الغرب جاء من تنظيمات وتكتلات تعيش في الغرب يديرها من ترك بلاد العرب ليستظل تحت خيمة الديموقراطية وحرية الفرد في التعبير ؛ والشباب ، ثم هذا التظاهر السلمي الحضاري الراقي في بلاد الربيع العربي أعطىٰ للغرب صورة جديدة مشرقة عن هذا العربي ؛ ثم أعطت للجماهير الغربية أفكاراً جديدة نسختها من الأصل العربي الأصيل ، وبدأت مراكز البحث تقدم دراسات ميدانية عن ما حدث في تلك البلدان ، ولعلها فرصة ذهبية لتقوم النخبة العربية في الغرب والصفوة ؛ في القيام بهذا الدور الحضاري لتقديم النموذج العربي الحديث لناطقي اللغة المحلية ـ الإنجليزية والألمانية ـ وليس فقط إستحضار رموز الثورة وهم من ناطقي اللغة العربية والتي لا يفهمها الجمهور الغربي ثم تلقى دروساً عن بداية الثورة وما آلت إليه في بلدانها لمن اصلا ً عاصرها " لايف " على القنوات الفضائية لحظة الحدث وأيضا ً لإعادة رسم صورة العربي صحيحة مشرقة في ذهن الغربي بدلا من الصورة النمطية عنه والتي قد تكون ترسخت في أذهان الكثير منهم .
وهذا يلزمنا أن نعيد توصيف الواقع العربي الصحيح من خلال تلك النخب في حوار مفتوح مع القوى العاقلة والفاعلة في الغرب .
دول الربيع العربي لم تستقر بعد ؛ مع وجود استبداد سياسي من بعض الأحزاب الجديدة التي ليس لها تجربة سياسية وإن وجد لها بين الجماهير وجود والتي تشكلت بعد بزوغ فجر الثورة ، وهذه في حد ذاتها إشكالية داخلية ؛ بين ابناء الوطن الواحد ، مما جعل الكتاتني ـ البرلمان المصري ـ يعلن الإسبوع الماضي عن عقد دراسات خاصة للبرلمانيين تقوم بها مؤسسة بريطانية ، وخارجية ؛ حين تتعامل الحكومات الغربية وأحزابها مع القادم الجديد في البرلمان أو مَن سيجلس على مقعد الرئاسة . إذ يجب على الجهاز الرسمي الجديد أن يكون أكثر وضوحاً كي توجد قاعدة من التقدير والإحترام .
أوروبا تخشىٰ من تصدير الدول العربية لمشاكلها مع مواطنيها إلىٰ دول العالم الأول ، ولذا ينبغي علينا إعادة قراءة أنفسنا قراءة صحيحة وكتابة شهادة ميلاد عربية بحروف من نور تظهر الوجه الحضاري لهذه الأمة .
وتتبقى مسالة الهوية والإنتماء : فهل نحن عرب نسكن القارة الأوربية وأمريكا ، أم نحن نتمتع بالمواطنة الغربية وعلينا من الحقوق ولنا من الواجبات كبقية المواطنين الغربيين دون إظهار جانب الأصول ولون البشرة ، وهنا تطفو على السطح مسألة الهوية والإنتماء من جديد وكيفية الإندماج الإيجابي بين وافد متجنس بما لديه من افكار وقيم ومقاييس ومبادئ وقناعات وبين الغرب بما لديه من حزمة مغايرة قليلا أو كثيراً عن ما يملكه هذا الوافد عقلياً ومشاعرياً وعقدياً .
فـ بين الواقع الحالي الملموس وبين الطموح يرىٰ الكاتب أن يتم حوار بناء صريح بين افراد النخب ، ثم ما يتوصلوا إليه يتم عرضه ومناقشته بوضوح وصراحة لسماع رأي الجمهور العربي ثم تعرض نتائج ما توصلوا إليه بصورة شفافة وصريحة مع القوىٰ الحاكمة والإعلام بأمانة وصدق ، أو سيظل هناك صراعاً في الخفاء ـ يتحسسه البعض ـ بين العربي والغربي إلىٰ أن ينتهي هذا الجيل الوافد ونتحدث بعد مائة عام عن جيل مهجن .
وعليه توجد لدينا قنوات إتصال إعلامية علىٰ مستوى راق كما وتوجد مؤسسات ذات مصداقية ورجال النخب بما لديهم من أفكار ، وبهذه الثلاثية ـ الإعلام / المؤسسة / النخب بما تحمل من افكار ـ نتمكن من إدارة حوار بناء لمستقبل مواطن غربي يحمل ملامح شرقية .
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة