Translate

الجمعة، 26 أغسطس 2011

لعبودية في موريتانيا – جذور عميقة خارج إطار القانون

23.08.2011

العبودية في موريتانيا – جذور عميقة خارج إطار القانون

 

بمناسبة اليوم العالمي لإلغاء العبودية نسلط الضوء على الوضع في موريتانيا. فرغم وجود تشريعات للقضاء على هذه الظاهرة، إلا أن الناشطين يرون أن نفوذ ملاك العبيد وتحكمهم في مفاصل الدولة، يبقي على العبودية بأشكال مقنعة.

 

قضت محكمة الجنح بنواكشوط يوم الاثنين الماضي على الناشط في "مبادرة تيار الانعتاق" المناهضة للعبودية، بوالخير ولد الشيخ جنك، بالحبس النافذ ثلاثة أشهر، بتهمة الاعتداء على ضابط شرطة في مقر عمله. كما قضت بالحبس لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ على اثنين من رفاقه، وحكمت ببراءة ستة آخرين من تهمة التمرد والعصيان والاعتداء على الشرطة. وكان النشطاء الحقوقيون يحاكمون بعد اعتقالهم اثر اشتباكاتهم مع عناصر الشرطة التي اتهموها بالتآمر مع سيدة اعتقلت بتهمة استعباد فتاة قاصر وإخفائها.
وتعيد قضية محاكمة نشطاء محاربة العبودية في موريتانيا إلى واجهة الأحداث من جديد الجدل الدائر حول العبودية في موريتانيا، حيث يصر الحقوقيون على أن الترسانة القانونية الضخمة التي أقرتها الأنظمة المتعاقبة في مجال محاربة العبودية، لم تمكن من القضاء عليها بشكل نهائي، نظراً  لنفوذ ملاك العبيد السابقين وتحكمهم في مفاصل الدولة والأجهزة المسؤولة عن تطبيق القانون، كما تقول منظمة "نجدة العبيد".
تاريخ من الإقطاعية
"أغلب ضحايا العبودية من النساء، إذ تعتبر المرأة المسترقة (الأمة) وسيلة لاستدامة سلاسة العبيد لدى أسر الأسياد" ويعود تاريخ الجدل حول العبودية في موريتانيا إلى سنوات استقلال البلاد الأولى بداية ستينات القرن الماضي، حينما كانت العبودية تنتشر بشكل علني وصارخ بين كافة فئات المجتمع الموريتاني، سواء تعلق الأمر بالأغلبية العربية أو الأقلية الزنجية. ورغم أن السلطات أصدرت حينها قرارات تحمي العبيد من بطش أسيادهم، وتدخلت دائما لصالح العبيد كلما لجأ إليها احدهم طالباً إنقاذه من براثين العبودية، إلا أن أول إلغاء حقيقي للعبودية كان عام 1982 إبان حكم الرئيس الأسبق محمد خونا ولد هيدالة. فقد اصدر ولد هيدالة قانوناً باركه رجال الدين في البلد، يقضي بتحرير العبيد ومنع الأسياد من ممارسة العبودية عليهم، وقد أثار هذا القانون انتقادات واسعة في صفوف الحقوقيين، الذين رأوا فيه اعترافاً بشرعية ما سبقه من عبودية.
ومع مر السنوات يؤكد نشطاء حقوق الإنسان أن حالات عديدة من العبودية ظلت قائمة وممارسة بشكل فعلي في أنحاء موريتانيا، وتوالت بعد ذلك قوانين محاربة العبودية، حيث أصدر الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في تسعينات القرن الماضي قانوناً يعرف باسم "قانون حظر استغلال الأشخاص". ويحظر هذا القانون ممارسة العبودية حتى ولو كانت طوعية وقبل بها العبد، وفرض عقوبات على مرتكبيها. غير أن القانون الأشهر والذي صدر بالتشاور بين الحكومة ومنظمات حقوق الإنسان الناشطة في مجال العبودية، خصوصاً منظمة "نجدة العبيد" كان عام 2007 إبان حكم الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. وقد تمت المصادقة على القانون المذكور بعد أشهر قليلة من انتخاب أول سياسي من شريحة العبيد السابقين رئيساً للبرلمان، وهو السيد مسعود ولد بلخير الذي يعتبر أحد أبرز مناهضي العبودية، ويطلق عليه أنصاره "محرر العبيد".
أطفال العبيد السابقين – فرص نادرة للالتحاق بالمدرسةأطفال العبيد السابقين – فرص نادرة للالتحاق بالمدرسة ويجمع المراقبون على أن فترة حكم الرئيس السابق المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله التي لم تستمر أكثر من خمسة عشر شهراً، كان الأكثر نشاطاً وحيوية في مجال محاربة العبودية وتذويب الفوارق الاجتماعية، قبل أن يتم خلعه في انقلاب عسكري قاده الرئيس الحالي الجنرال محمد ولد عبد العزيز.
نضال سياسي وحقوقي ضد العبودية
وميدانياً عرفت حركة "الحر" التي أسسها رئيس البرلمان الحالي مسعود ولد بلخير نهاية سبعينات القرن الماضي، كواجهة سياسية للعبيد والعبيد السابقين، فيما شكلت منظمة "نجدة العبيد" الواجهة الحقوقية لهم، وواصلت هاتان المنظمتان نشاطاتهما بالتنسيق والتوازي عبر توعية الشرائح، التي كانت ضحية للعبودية، وفضح الحالات التي يتم الكشف عنها في البلد.
وقد أصدرت منظمة نجدة العبيد مؤخراً تقريراً موسعاً يعتبر أول دراسة علمية موثقة عن ظاهرة العبودية في موريتانيا، أكدت في مستهله أن الطابع الطبقي والعرقي للمجتمع الموريتاني شكل أرضية خصبة لوجود العبودية في موريتانيا، خصوصاً وأن هذا التوزيع الطبقي للمجتمع أخذ بعداً وظيفياً لكل طبقة، وهو ما أدى في النهاية إلى وضع العبيد في أدنى درجات السلم الاجتماعي.
وتقول المنظمة إن أصول العبودية في موريتانيا تعود في الغالب الأعم إلى الحروب التي كانت تدور بين القبائل والمجموعات العرقية خلال القرون الماضية، حيث كانت الغارات والهجمات المتبادلة بين القبائل فرصة لسبي الأفراد وتعبيدهم. كما شكلت التجارة عبر الصحراء بين شمال إفريقيا وغربها ووسطها رافداً مهماً من روافد انتشار العبودية، حيث كانت البضائع القادمة مع قوافل الشمال من ملح وصمغ وقماش، تتم مقايضها بالعبيد في بلدان غرب ووسط إفريقيا.
وكشفت المنظمة عن أن أكثر من 73 بالمائة من أبناء طبقة "الأرقاء"، ولودوا وهم عبيد مسخرون لخدمة أسيادهم، قبل أن يتحرروا لأسباب مختلفة في مقدمتها انتشار الوعي ونشاط مناهضي العبودية، وصدور قوانين تجرم تلك الممارسة. كما كشفت المنظمة عن أن أغلب ضحايا العبودية من النساء، بحيث تعتبر المرأة المسترقة (الأمة) وسيلة لاستدامة سلاسة العبيد لدى أسر الأسياد، إذ أن أبناءها يولدون عبيداً حتى ولو كان أبوهم حراً. هذا فضلاً عن أن نظام النسب لدى العبيد نظام أمومي، لا يكترث بالأب وأصوله، فالنساء أقل وعياً في الغالب الأعم في المجتمعات الريفية التي تعتبر بؤرة للعبودية. ولا يملك العبيد عادة قرارهم، وحتى ممتلكاتهم تعود لأسيادهم، فهناك قاعدة معروفة في المجتمع الإقطاعي تقول إن "العبد وما ملكت يداه، لسيده"، كما أن قرار تزويج النساء المسترقات بيد أسيادهم وليس بيد آبائهم أو أي من أقاربهم.
اتهامات متبادلة
واليوم يثار الجدل بشكل كبير بين مناهضي العبودية والحقوقيين من جهة وبين السلطات الموريتانية ومجموعات كبيرة من السياسيين من جهة أخرى، حيث تصر هذه الأخيرة على أن العبودية لم تعد موجودة وإنما هناك مخلفات لها من قبيل انتشار الفقر والأمية وانخفاض منسوب الوعي بين الشرائح التي كانت خاضعة للاستعباد. وهي مخلفات يتطلب القضاء عليها اعتماد سياسة ما يعرف بالتمييز الايجابي عبر تقديم تجمعات تلك الشرائح في مشاريع التعليم والصحة والتوعية.
بيوت الصفيح التي يسكنها العبيد السابقون في موريتانيابيوت الصفيح التي يسكنها العبيد السابقون في موريتانيا ولهذا الغرض أنشأت الدولة إدارة في وزارة حقوق الإنسان كلفت بالقضاء على مخلفات العبودية. وفي هذا الإطار يقول المحامي الكبير محمد ولد إشدو: "إن العبودية لم تعد موجودة في البلد وإن بعض من يسمون أنفسهم بالنشطاء الحقوقيين درجوا على المتاجرة بقضايا العبودية، وحين قضي عليها أصبحوا يرفضون الاعتراف ذلك لأنها مصدر تجارتهم". ويضيف ولد إشدو بالقول: "إن الأمر ـ في جوهره ـ تعبير عن جمود بعض المناضلين المخضرمين الذين عاشوا على شعارات محاربة الرق، أيام كانت توجد منه بقايا معتبرة في مجتمعنا، والذين لم يستطيعوا بعدُ التكيّف مع واقع زواله".
إلا أن نشطاء حقوق الإنسان المناهضين للعبودية يرون أن السلطات ما تزال تتجاهل وجود حالات من العبودية بشكل صريح في مناطق مختلفة من العاصمة نواكشوط، ورغم أن منظمة "نجدة العبيد" أكدت اختفاء سوء المعاملة والعنف الجسدي المرافق للعبودية في البلد، إلا أن منظمة "مبادرة تيار الانعتاق" التي يقودها بيرام ولد اعبيدي تصر على وجود حالات عبودية ما تزال موجودة بشكل صريح.
وتقول المنظمة إن الأسياد يتحايلون على القانون عبر التظاهر باستئجار العبيد كخدم تدفع لهم رواتب شهرية، أو استعباد القصر منهم تحت شعار مساعدتهم في تلقي التعليم. ويمضى ولد اعبيدي، رئيس منظمة "تيار الانعتاق"، إلى القول إن السلطات التنفيذية والقضائية والدينية والأمنية في البلد أقامها الأسياد والإقطاعيون، وبالتالي فهي مسخرة لخدمتهم وحمايتهم من العقاب على حساب العبيد والعبيد السابقين. ويتهم السلطات بتشجيع ممارسة ما أسماها العبودية الزراعية، عبر تكريس ملكة الأراضي للأسياد في حين على العبيد العمل فيها كأجراء أو الرحيل عنها، ويدعو بيرام ولد اعبيدي إلى ما أسماه تفكيك بنية المجتمع القائم على الطبقية، وإعادة تركيبه من جديد بطريقة تضمن المساواة بين كافة أفراده ومجموعاته العرقية والطبقية.
وقد شهت المحاكم الموريتانية قبل ستة أشهر أول محاكمة بتهمة العبودية في تاريخ البلد، لسيدة يقول النشطاء الحقوقيون إنها كانت تستغل فتاة قاصراً وتجبرها على القيام بأعمال شاقة وتمنعها من الدراسة. ولا يعتقد المراقبون أن الجدل حول العبودية سيتوقف قريباً، إذ أن الأمر يتعلق بظاهرة قضي عليها قانونياً. لكن مخلفاتها في مجتمع متعدد الطبقات والأعراق ومحدود الوعي، ستبقى لآجال قد لا تكون قصيرة، إلى أن تتبدل الأجيال وتتغير الأحوال.
محمد محمود أبو المعالي – نواكشوط
مراجعة: عماد غانم
 
 
الشبكات الاجتماعية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة