Translate

الأربعاء، 30 يونيو 2010

الدروز

الدروز

فرقة باطنية تؤله الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، أخذت جل عقائدها عن الإسماعيلية، وهي تنتسب إلى نشتكين الدرزي. نشأت في مصر لكنها لم تلبث أن هاجرت إلى الشام. عقائدها خليط من عدة أديان وأفكار، كما أنها تؤمن بسرية أفكارها، فلا تنشرها على الناس، ولا تعلمها حتى لأبنائها إلا إذا بلغوا سن الأربعين.
التــأسيس :
محور العقيدة الدرزية هو الخليفة الفاطمي أبو علي المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمي الملقب بالحاكم بأمر الله. وكان شاذا في فكره وسلوكه وتصرفاته شديد القسوة والتناقض والحقد على الناس، اكثر من القتل والتعذيب دون أسباب تدعو إلى ذلك.
المؤسس الفعلي لهذه العقيدة هو حمزة بن علي بن محمد الزوزني. وهو الذي أعلن ألوهية الحاكم سنة 408هـ ودعا إليها، وألف كتب العقائد الدرزية وهو مقدس عندهم بمثابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند المسلمين.
ومن الزعماء المعاصرين لهذه الفرقة : كمال جنبلاط، وليد حنبلاط، د. نجيب العسراوي، عدنان بشير رشيد، سامي مكارم.
الأفكـــار والمعتـــقدات :
يعتقدون بألوهية الحاكم بأمر الله، ولما مات قالوا بغيبته وأنه سيرجع.
ينكرون الأنبياء والرسل جميعا ويلقبونهم بالأبالسة.
يبغضون جميع أهل الديانات الأخرى والمسلمين منهم خاصة ويستبيحون دماءهم وأموالهم وغشهم عند المقدرة.
يعتقدون بأن ديانتهم نسخت كل ما قبلها وينكرون جميع أحكام وعبادات الإسلام وأصوله كلها.
حج بعض كبار مفكريهم المعاصرين إلى الهند متظاهرين بأن عقيدتهم نابعة من حكمة الهند.
يقولون بتناسخ الأرواح وأن الثواب والعقاب يكون بانتقال الروح من جسد صاحبها إلى جسد أسعد أو أشقى.
ينكرون الجنة والنار والثواب والعقاب الأخرويين.
ينكرون القرآن الكريم ويقولون إنه من وضع سلمان الفارسي ولهم مصحف خاص بهم يسمى المنفرد بذاته.
يرجعون عقائدهم إلى عصور متقدمة جدا ويفتخرون بالانتساب إلى الفرعونية القديمة وإلى حكماء الهند القدامى.
يبدأ التاريخ عندهم من سنة 408هـ وهي السنة التي أعلن فيها حمزة ألوهية الحاكم.
يعتقدون أن القيامة هي رجوع الحاكم الذي سيقودهم إلى هدم الكعبة وسحق المسلمين والنصارى في جميع أنحاء الأرض وأنهم سيحكمون العالم إلى الأبد ويفرضون الجزية والذل على المسلمين.
يعتقدون أن الحاكم أرسل خمسة أنبياء هم حمزة وإسماعيل ومحمد الكلمة وأبو الخير وبهاء.
يحرمون التزاوج مع غيرهم والصدقة عليهم ومساعدتهم كما يمنعون التعدد وإرجاع المطلقة.
لا يقبلون أحدا في دينهم ولا يسمحون لأحد بالخروج منه.
ينقسم المجتمع الدرزي المعاصر من الناحية الدينية إلى قسمين :
الروحانيين : بيدهم أسرار الطائفة وينقسمون إلى : رؤساء وعقلا و أجاويد.
الجثمانيين : الذين يعتنون بالأمور الدنيوية وهم قسمان : أمراء وجهال.
يعتقدون ما يعتقده الفلاسفة من أن إلههم خلق العقل الكلي وبواسطته وجدت النفس الكلية وعنها تفرعت المخلوقات.
يقولون في الصحابة أقوالا منكرة منها قولهم : الفحشاء والمنكر هما أبو بكر وعمر ( رضي الله عنهما).
التستر والكتمان من أصول معتقداتهم فهي ليست من باب التقيه إما هي مشروعة في أصول دينهم.
مناطقهم خالية من المساجد ومن ذكر الله ومع ذلك قد يدعي بعضهم الإسلام أحيانا للمصلحة.
لا يتلقى الدرزي عقيدته ولا يبوحون بها إليه ولا يكون مكلفا بتعاليمها إلا إذا بلغ سن الأربعين وهو سن العقل لديهم.
مـــراجع للتــــوسع :
1) عقيدة الدروز عرض ونقد محمد أحمد الخطيب.
2) أضواء على العقيدة الدرزية احمد الفوزان.
3) إسلام بلا مذاهب د. مصطفى الشكعة.
4) أصل الموحدين الدروز وأصولهم أمين طلع.
5) الدروز والثورة السورية كريم ناشد.
6) طائفة الدروز محمد كامل حسين.
7) مذاهب الدروز والتوحيد عبد الله النجار.
8) الدروز : مذهبهم، وجودهم، توطنهم أبو إسماعيل سليم.
9) مذاهب الإسلاميين عبد الرحمن بدوي.
10) تاريخ المذاهب الإسلامية محمد أبو زهرة.

من هو مخترع الكمبيوتر؟

من هو مخترع الكمبيوتر؟

كونراد تسوزه


ربما يظن البعض أن فكرة ميلاد الحاسب الآلي تعود إلى بيل غيتس، غير أن حقيقة البداية تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي في ألمانيا على يد كونراد تسوزه الذي تحتفل المتاحف الألمانية هذه الأيام بمرور 100 عام على ميلاده.

تعود بدايات الكومبيوتر ­في الحقيقة إلى ثلاثينيات القرن الماضي في ألمانيا بحرف "زذ" كبير وهو الحرف الأول في اسم تسوزه أو على وجه الدقة كونراد تسوزه. ويتوافر العديد من الأدلة على أنه بنى أول حاسب آلي في العالم وتحديدا في برلين. سؤال يوقظ حالة من النكران لدى طلاب علوم الحاسب الآلي الأمريكيين، هل الألمان هم من اخترعوا الحاسب الآلي؟

صحيح أنه أمر لا يمكن تصوره، لكنه حقيقي في واقع الأمر. في الثاني والعشرين من حزيران/يونيو الجاري، احتفلت المتاحف بمرور مائة عام على مولد رائد علوم الحاسب الآلي كونراد تسوزه ما جذب الانتباه لعمله المذهل. في عام 1936، كان تسوزه يبلغ من العمر 26 عاما عندما بنى حاسبا آليا في شقته. كانت الآلة التي اخترعها بطول سرير مثبت في جدار غرفة علوي. كان الجهاز يحوي كل ما قد يحتاجه جهاز حاسب آلي حديث، وأطلق تسوزه على جهازه اسم "زد1".

قصة مثيرة

Bildunterschrift: قصة اختراع مثيرة..كمبيوتر "زد 3"

كان بإمكان تسوزه تحقيق ثروة تفوق ثروة بيل غيتس، لو توافرت له إمكانات تسويقية مماثلة كتلك التي حظي بها غيتس. غير أن كونراد تسوزه، الذي تدرب ليصبح مهندسا مدنيا مع ميول للهندسة المعمارية والميكانيكية عاش في حقبة الحكم النازي. ومع مرور الوقت طور النسخة الأولى من جهازه ليخرج "زد3 "­أول حاسب آلي رقمي تطبيقي عرفه العالم ­ وكان ذلك في أيار /مايو عام 1941 وكانت الحرب العالمية الثانية قد بدأت بالفعل. ذلك يعني أن تسوزه لم يكن على اتصال من أي نوع ببريطانيا أو الولايات المتحدة، حيث كان العلماء في المؤسسات الكبرى يعملون بدورهم على بناء حاسب آلي.

وظل المخترع الألماني يعمل بمفرده ويكسب قوت يومه من خلال العمل كمهندس في شركة "هنشل" لتصنيع الطائرات ومقرها برلين. تمثل الدافع الذي عزز لدى تسوزه الرغبة في بناء آلته في الأعمال الإحصائية والحسابية المملة الخاصة بعمليات تحليق الطائرات، آملا في أن ينقذه ذلك الاختراع من العمل المضني. قال تسوزه بلهجة مرحة عن أسباب اختراعه للحاسب الآلي "أنا أكثر كسلا من أن أجري الحسابات بنفسي".

تأسيس أول شركة كمبيوتر في العالم

Bildunterschrift: لولا اختراع كونراد تسوزه الأم لما ولد اليوم الحاسوب المحمول...

أسس تسوزه بمفرده شركة "تسوزه­ أباراتي­ باو" أول شركة كمبيوتر في العالم في برلين،غير أن قنبلة سقطت فوق مقر الشركة عام 1945 وتحطم زد 3، أما النسخة اللاحقة" زد 4" فلم تكتمل. وحاول كونراد تسوزه أن يبدأ من جديد في ألمانيا الغربية. ويذكر هورست تسوزه الابن الأكبر لكونراد (ولد عام 1945) تلك الفترة جيدا. كان أبوه يسمح له وهو صغير أن يأخذ قطعا من بقايا مهملة من شركة أبيه التي تقع الآن في هيسن.

يقول هورست مازحا "ضممت تلك القطع لمجموعة نماذج قطاري مايركلن ..لو علم أبي (وقتها) كم الصدمات الكهربية التي تعرضت لها ..لمنع ذلك دون شك". كان كونراد تسوزه أبا مثل كثير من الآباء في تلك الأيام، أيام إعادة البناء الاقتصادي. كان يعمل 16 ساعة يوميا وبالتالي كان يلتقي بأبنائه بشكل متقطع. ويذكر ابنه "كان يعيش بتواضع ويميل للتحفظ"، لكنه حافظ على إيقاع حياة الأسرة.

(هــــ.ع/د.ب.ا)
مراجعة: طارق أنكاي

نوال المرام فى تفسير الاحلام

نوال المرام فى تفسير الاحلام

حدثنا ابو الطيب فقال وعمر السامعين يطال وهو خير من يقال قد قال
أيها السادة الكرام لم يبق لنا غير تفسير الاحلام لمعرفة مستقبل الأنام فى شمال افريقيا وبلاد الشام ، ففى هذه السنوات العجاف ندعو يا خفى الالطاف نجنا مما نخاف
ثم افاض وارعد من القهر وقال
من اجل الكفاح والنضال ضد مؤامرات الصهيونية والاستعمار، وفى سبيل النجاح والاستقلال ، بادر ايها الكريم بتفسير ما تراه من منامات ، وان لم تجد مفسرخاص راجع اقرب مركز شرطه لانه لابد لأجهزة الأمن الساهرة عندنا من معرفة مايراه المواطنون وهم نيام ، فقد تكون له آثار سلبية على مستقبل القضية ، ومساهمة منا نقدم بعض الأسس فى تفسير المنامات والاحلام وخاصة ما يتعلق بالمفاوضات وتطبيع العلاقات واتفاقات الكلام بحجة السلام

فمثلا فى رؤية السلاطين والنواب فى دار او دخلوا بلدا او قرية ، فانه دليل على حصول مصيبة او بليه ، ومن رأى ملكا او رئيسا فى قصر، فسيقضى حياته فى الحزن والقهر، ومن رأى رئيسا لمجلس نواب فمعناه عظم المصاب ، اما رؤية احد رجال الحاشية فتلك هى الفاشية ، واذا رأيت انك تزور منظمات التحرير فذلك دليلا على شر مستطير، ومن حلم بالمفاوضات السرية فليتوقع ان تصيبه بلية ، اما من رأى المفاوضات مع اسرائيل فليتوقع مقابلة عزرائيل ، ومن حلم بحاتم الغصين فسيقضى حياته فى الهم والدين وربما يكون دليلا على غضب الوالدين ، اما رؤية الحواة الكذابين فهى دليل ، على ضعف الايمان واليقين ، واذا شاهدت الامين العام فى المنام ، فستموت من الاوجاع والاسقام ، وربما تصبح من مؤيدى اتفاقات الكلام ، والعياذ برب الأنام ، اما قراءة الجرائد العربية الصادرة فى الخارج ، فتدل على الكساح والفالج ، ومن رأى نفسه يقرأ منها فأنه دليل على قرب الافلاس ، ونذير بوجع الركبتين والرأس ، وستصبح امه فرجه للناس ، وان شاهدت القنوات الفضائية الموجهة للمهاجرين فهى دليل ، على أن من بقي فى بلادنا على وشك الرحيل ، واذا رأيت الفلاسفة والمفكرين ، من أهل اليسار واليمين ، اوالتقدميين والسلفيين ، فأقرأ الفاتحة على تحرير فلسطين ، واذا سمعت خطاب قومي عن القضية فبادر بكتابة الوصية ، اما رؤية عمرو موسى فتعنى ان السياسة كوسه ، اما رؤية ضابط اوعقيد فتعنى ان السياسة فن التسليه والتحريض على محاربة الجهل والمرض بالدعاء للقائد والزعيم والايمان بالكتاب الاخضر والنظرية الخضراء والباميه والفاصوليا الخضراء .
اما رؤية الحريري فهى دليل ، ومقدمة لوقوعك فى مرض سريري مزمن وطويل ، ورؤية طويل العمرابن حلال فهى تدل على سوء العاقبة والمآل ، اما رؤية آل أول وآل ثانى فتعني انك تعيش فى كوكب ثان ، امارؤية فرسان بنى قحطان فهى حتما دليل على العبط والهبلان ، وان رأيت الآيات والملالى فتدل على غدر الزمان والعودة للفلالى ، ورؤية خدام عبد المجير فهى تدل على سوء الفهم والتقدير وربما ستقعد على خازوق نتيجة تقرير ، اما رؤية الاسد والفهد والحمار فتدل على فساد القيل والقال كما تدل على حسن الفهم عند الحمار ، اما رؤية اطفال الحجارة فهي بشارة ما بعدها بشاره وتؤكد أن أمتنا ليست منهاره .
وسكت أبا الطيب عن الكلام واستراح فى غفوه ، علا بعدها شخيره فى نشوه ، وانتظرنا يقظته بعد حين ، ولم يفعل فأنصرفنا منكسرين .

الثورة البائسة

اخطر كتاب عن الثورة الخمينية وعن الخميني في ايران
الثورة البائسة
(1-4)

شبكة البصرة
تأليف الدكتور موسى الموسوي
طبعة 1428هـ - 2007م
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي*
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي)
(طه:25-28)

الإهداء
يا رسول الله يا نبي الرحمة، لقد تضافرت الفئة الضالة المضلة الحاكمة باسمك على رقاب المسلمين في تشويه رسالتك ونقاء صورتك، فصورت شريعتك السمحة السهلاء الرحماء، شريعة القتل والتعذيب والدمار والفناء.
وبذلت هذه العصابة بكل ما أوتيت من جهد وقوة وسلطان ومكر ودهاء أن تتخذ من اسمك العظيم ورسالتك التي كانت للناس نورا وكرامة ومزيدا، ذريعة لظلم العباد وخراب البلاد فجلس كبيرهم الذي علمهم السحر على صرح من الجماجم البشرية باسم الإسلام وحوله تجري انهار من الدماء والدموع.
لقد قتلوا العباد المخلصين باسم الله، وعذبوا خاصة الأولياء باسم الله وسلبوا ونهبوا أموال المؤمنين باسم الله، واقترفوا كل جرم وجريرة ونكر وفساد باسم الله، ولو أن يا رسول الله ويا إمام الهدى قدر لهذه العصابة النجاح والتوفيق في مآربها فلن يعبد الله في تلك الأرض ولن يذكر فيها اسمك، فها أنا قد نهضت لكي أردهم على أعقابهم واكشف سرهم وافضح أمرهم واجعلهم شذرا مذرا واستمد من الله الحول والقوة والعون والتوفيق والنجاح المكلل بالنصر المبين.
واليك يا رسول الله اهدي ما خطته يميني في هذه الصحائف عسى أن يكون فيها رضا الله ورضاك وتنفعني في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

المقدمة
لأول مرة يحدث مثل هذا الانحدار الخطير في تاريخ الإسلام، حيث تقوم شرذمة باسم الدين لتملأ العالم فسادا ونكرا وشرا لم يحدث له نظير من قبل ولا من بعد. وان اخطر ما يكمن في هذا الفساد والشر هو أن هذه العصابة حاولت بكل ما أوتيت من قوة وسلطان أن تقلب الموازين الثابتة للأخلاق وتغير الحدود الرصينة بين الخير والشر وبين المدنية والهمجية، ولتقضي على كل ما سجلته العصور السالفة من الصور الرائعة للفداء والتضحية في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، ولتشوه كل ما أعطته الشرائع السماوية للبشرية من خير وسعادة ولتمحو كل ما ملته المثل الأخلاقية في سجل الأخلاق، ولتضرب بعرض الحائط كل ما أملته العقول النيرة من دليل وبرهان.
إن هذه العصابة إذا قدر لها التوفيق في مساعيها الهدامة لكل موازين المنطق والعقل والأخلاق فإنها ستكون الطامة الكبرى والمصيبة العظمى ليست على الإسلام فحسب بل على البشرية وفي كل زمان ومكان. فلا ولم يحدث من قبل أن ارتكب أبشع صور الإجرام في حق الإنسان باسم الأخلاق وباسم الدين كما ارتكبه طغاة إيران، فلا ولم يحدث من قبل أن ارتكب القتل السياسي والتصفية الجسدية بحق شعب آمنٍ.
باسم الواجب الديني...................................... (المفسدون في الأرض)
وارتكب التعذيب بأبشع صورة باسم....................... (التعزيز الشرعي)
وارتكبت السرقة ونهب الأموال باسم...................... (حماية المستضعفين)
وارتكب خنق الحريات وخمد الأصوات في الحناجر باسم......... (مصالح الأمة)
وارتكب التجسس باسم.................................. (حماية مكاسب الإسلام)
وارتكبت الفوضى والشر وهتك الأعراض باسم.......... (مكاسب الثورة الإسلامية)
وارتكب التعاون مع الأجانب كعملاء وحلفاء باسم........... (أصدقاء الثورة الإسلامية).

وهكذا نرى أن الحدود الفاصلة بين الأخلاق الفاضلة والرديئة قد انقلبت رأسا على عقب فأصبح الشر خيرا والقتل حياةً والظلم إحسانا وأبشع صور الحكم في تاريخ الإنسان نموذجا لمدينة فاضلة طالما دعا إليها أفلاطون والفارابي.
إن هذا الغزو الفكري البغيض إلى الله والى رسوله إذا نجح في تسخيره لعقول السذج من أبناء البشر ستكون نتائجه اشد وأنكى من أي غزو همجي شهدته الإنسانية في تاريخها الطويل فكيف وقد تصبح الحالة هي أن الظالم ينظر إلى عمله وكأنه حق طبيعي وهبه الله إليه يستخدمه أنى ومتى شاء ويرضخ المظلوم لهذا الحق برغبة ولهفة لان الله قد كتب له أن يرضخ لمثل هذا الحق ولو كان عليه، إذن إنها صورة حية لمجتمع الغاب يأكل القوي فيه الضعيف بلا خوف ولا وجل ويستسلم الضعيف للقوي بلا قيل ولا قال.
إننا نستعرض في هذا التأليف أسرارا وحقائق وكشفا لهذه الهمجية البربرية التي أعقبت ثورة شعبية عارمة في تاريخنا المعاصر والتي نجحت بعد طول عناء وجهد وبذل تضحيات لتهزم هزيمة منكرة منذ الساعات الأولى من نجاحها.
إنها قصة إيران الثورة منذ بدايتها حتى نهايتها وان شئت قل إنها قصة شعب قدر له البؤس والشقاء في ظل التيجان والعمائم على السواء.
إنها قصة الإسلام ومحنته العظيمة سنقصه على الناس كافة لتكون ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.


بداية النهاية
الوضع العام قبل سقوط الشاه.
تغيير السياسة الأمريكية في ايران.
الخطأ المميت.
التخبط في معالجة الازمة.
موقف الدول الكبرى من نظام الشاه.
محادثات الخميني مع الامريكان.

(وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ((16)

بداية النهاية
لقد آن للشاه أن يرحل. فقد اراد شعب إيران هذا الرحيل. والصراع مع الشاه له تاريخ طويل يمتد عمره إلى 25 عاما أي منذ سقوط الحكم الوطني الذي كان يرأسه الدكتور مصدق رحمه الله والذي اطاحت به المخابرات الامريكية ليعود الشاه إلى إيران بعد ان هرب إلى اوربا وليستبد بالسلطة كملك طائش جبار يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
والثورات الشعبية اذا غلت فلن تستطيع قوة الاستبداد ان تقف في وجهها، انها كالسيل الجارف تدمر كل شيء يعترض طريقها.
والثورة الايرانية عندما وصلت إلى مرحلة الغليان لم يستطع الشاه وجيشه ومخابراته وملايين الدولارات من الاسلحة الحديثة ان تعترض طريقها فدمرت الرطب واليابس واطاحت بعرش كان عمره الفين وخمسمائة عاما، وجيش كان قوامه اربعمائة الف جندي مدجج باحدث انواع الاسلحة ومخابرات كانت من اقوى المخابرات في الشرق الاوسط.
ان نجاح الثورة الايرانية لها اسباب كثيرة منها داخلية ومنها خارجية وعندما تكاتفت هذه الاسباب كلها كانت نتيجتها المحتومة ثورة ومحنة ودم وعرق ودموع.
كان الوضع العام في ايران وفي اواخر ايام الشاه نموذجا من تناقضات صارخة تنذر بالشر المستطير.
فالحريات السياسة كانت مفقودة.
الارهاب بلغ اشده في ظل السافاك حيث التعذيب البشع وقتل السجناء في سجونها ورمى المناوئين السياسين احياء في بحيرة ساوة.
الثورات المحلية كانت تخمد بالنار والحديد.
الوضع الاقتصادي كان ينذر بالكارثة.
ايرادات النفط كانت تنفق في شراء الاسلحة من امريكا واوربا والاسراف في نفقات الدولة والبلاط.
التدخل الامريكي في ايران بلغ إلى مرحلة الوصاية والقيمومة فكان هناك خمسين الف مستشار امريكي يتقاضون 4 الاف مليون دولار سنويا من ميزانية الدولة اضافة إلى قانون الحصانة الامريكية.
رجالات الدولة العليا اللهم الا القليل منهم كانت مجموعة من الاوغاد لايهمهم سوى ارضاء الشاه والانصياع لاوامره مهما كانت نوعها وشكلها.
القصص المثيرة من تلاعب الشاه واركان دولته باموال الشعب واستغلال النفوذ ونهب اموال الشعب بالبلايين كانت حديث كل فرد من افراد الشعب الايراني في مجالسه ونواديه.
ومع ان ظاهر البلد كان يوحي بوضع اقتصادي زاهر الا ان ثمانين بالمائة من افراد الشعب كان يعيش في حالة اقتصادية بائسة، فالثروة كانت متكدسة في يد مجموعة من الناس لها صلة قريبة بالبلاط او بالمتنفذين من افراد الدولة او البلاط. اما الاكثرية من ابناء الشعب ولا سيما الذين كانوا يسكنون القرى والمدن الصغيرة كانوا في وضع بائس وحزين يتلخص في السطور التالية :
سبعون بالمائة من مجموع الشعب الايراني لا يقرأ ولا يكتب ولم تكن وسائل التعليم متوفرة لديه.
ثمانون بالمائة من مجموع الشعب الايراني كانوا ولايزالون تنقصهم الخدمات الطبية.
خمس وثمانون بالمائة من القرى والمدن الصغيرة كانت ولاتزال بحاجة إلى طرق المواصلات المعبدة واسالة الماء والكهرباء والبيوت الحديثة.
بلغ عدد العاطلين عن العمل في عهد الشاه الذي كان يدفع 4الاف مليون دولار سنويا إلى المشاورين الامريكان مليون ونصف مليون عاطل يتسكعون في الشوارع والازقة او يهاجرون إلى الخليج للحصول على لقمة العيش.
وهكذا كان الشعب الايراني في ظاهره من اثرى شعوب المنطقة حيث كانت ايرادات بتروله تتجاوز اربعين بليون دولار في العام. وفي واقعه شعبا مسكينا لا يحصل على اقل القوت الآ بشق الانفس والجهد المرير، وكان الشاه بعيدا كل البعد عن مأساة شعبه وبلاده وفي الوقت نفسه يتخبط في الحديث ويهذي في الارقام حيث كان يعلن للعالم بصوت جهوري تردده اجهزة اعلامه:
ان ايران ستصبح رابع قوة في العالم في عام 1980.
ان الدخل القومي في ايران سيتجاوز الدخل القومي الياباني في عام 1980.
ان ايران كانت وستبقى جزيرة الامان والاستقرار في المنطقة.
ان ايران اصبحت دولة نموذجية تقتدي بها دول العالم.
وقد سمعه العالم وهو يخاطب مؤسس الامبراطورية الفارسية بقوله : " وها انت يا كورش الكبير ويا ملك الملوك نم آمنا هادئا قرير العين فانا احرس هذا الشعب وهذه البلاد ".
حقا لقد حرس محمد رضا بهلوي شعبه وبلاده وتاجه وعرشه، ثم نام قرير العين على شاطىء النيل الخالد بعيدا عن تراب وطنه الاف الاميال.
وهكذا تعيش الملوك المسكينة في اوهامها حتى تدق الساعة التي لا فرار منها ولا ينفع الندم.
كان استمرار هذا الوضع الشاذ كله يتوقف على عاملين اساسيين، بطش السافاك بالمناوئين واخماد التظاهرات الشعبية التي تقوم هنا وهناك بسلاح الجيش وكان من الواضح جدا ان السافاك والجيش كلاهما كانا مدعمين بالمستشارين الامريكان وان التخطيط الحاكم في كلتا الادارتين تخطيط امريكي اعد له من القوة والقدرة ما لايستطيع دحرها شعب اعزل من السلاح وحدثت المفاجأة التي مهدت للثورة في ايران فقد فوجئ العالم برئيس امريكي من الحزب الديمقراطي اسمه جيمي كارتر وصل إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الامريكية، وها هو يتحدث عن حقوق الانسان ويعد الشعب الامريكي بأن سياسة حكومته هي الوقوف بجانب الشعوب المضطهدة التي يمارس عليها الطغيان من قبل حكامها المستبدين وانه لا يناصر حاكما ظالما مهما كانت الصداقة التي تربطه بالولايات المتحدة الامريكية. واذا كان كارتر صادقا في مواعيده امام الشعب الامريكي والعالم فلاب وان على رأس قائمة هؤلاء الطغاة كان اسم شاه ايران الذي تربطه بامريكا تسعمائة معاهدة وميثاق وصفقات اسلحة وعتاد وخبراء ومستشارين. وفوجئ الشاه نفسه بكارتر كما فوجئ غيره من ساسة العالم، وكانت الصدمة قوية عليه، فقد كان الحزب الجمهوري ورؤسائه هم الذين يناصرون الشاه وسياسته على مر السنوات وعلى عكس الحزب الديمقراطي الذي كانت ذكريات فوز رئيسه جون ف كندي وموقفه العدائي من الشاه لم تزل عالقة في ذهنه، ولا بد ان ادارة كارتر كانت على علم بالملايين من الدولارات التي صرفتها السفارة الايرانية في واشنطن بامر الشاه في الحملة الانتخابية التي خاضها جيرارد فورد من الحزب الجمهوري. ولابد ان مضاضة هذا التدخل الايراني في الحملة الانتخابية كانت قد اقلقت مضجع الرئيس الجديد.
وصحيح ان اعتبارات المصالح الامريكية هي فوق كل شيء لدى أي مسؤول امريكي يتصدر سدة الحكم في البيت الابيض الا انه لم يكن بوسع كارتر ان ينسى مواعيده امام الشعب الامريكي والعالم ويساند الشاه كما كان يساند سلفه من قبل ولو في ظاهر الاحوال، فصدرت النصائح تلو النصائح من الرئيس الجديد إلى الشاه صديق امريكا القديم والحميم باعطاء الحرية المناسبة لشعب ايران كما ان الصحف الامريكية بدأت بكشف الحقائق المؤلمة عن التدخل الامريكي في عهد جيرار فورد في اسقاط حكومة اليندي في تشيلي واسناد حكومة العسكر فيها وكان لابد للرئيس الجديد الديمقراطي ان لايساند حكما مشابها لشيلي في ايران، وعرف الشاه طبعا الموقف الامريكي الجديد وعرف الشعب الايراني ايضا ان القوة القاهرة التي تساند الشاه غيرت موقفها من الاستبداد الحاكم في ايران.
الا ان الخطأ المميت الذي ارتكبه الشاه هو انه انصاع للنصيحة الامريكية واعلن الانفتاح السياسي حسب الظروف والزمان، وهكذا ثبت ان شأنه شأن كل مستبد يعلق حياته السياسية وسياسة بلاده ومصالح شعبه بسياسة اجنبية لابد له من الانصياع المطلق لما تأمره وتريده تلك السياسة.
لقد تحرك الشعب يريد الخلاص من حاكمه الذي وقع اسير الاجانب وبطش به ما شاء إلى البطش سبيلا وها هو اليوم يعلن اللين والعطف نحو شعبه لانه امر به فلا بد للشعب من استغلال هذه اللحظة الحاسمة قبل ان يحدث تغير مفاجئ يجعل الليلة هذه شبيهة بالبارحة تلك.
اضافة إلى هذا فقد كان الشعب الايراني يعرف جيدا نفسية الشاه الذي لعب ادوارا مماثلة طيلة 30 عاما من حكمه، وكانت الحكمة التي يكررها هي : اذا هبت العاصفة فعليك ان تنحني برأسك حتى تزول ولا جعلتك كالعصف المأكول : وانحنى الشاه برأسه مرات ومرات وبخضوع وخشوع لعواصف هبت في ايران، وعندما زالت العواصف تلك رفع الشاه رأسه من جديد وهو يقول متبجحا للشعب (لمن الملك اليوم).
ومن اهم العواصف السياسية التي كادت تقضي على الملكية في ايران لولا الحكمة المتبعة من قبل الشاه هي حكومة قوام السلطنة والدكتور مصدق والجنزال زاهدي والدكتور علي اميني، فهذه الشخصيات الاربع استلموا الحكم في ظروف سياسية عصيبة للغاية والزموا الشاه العمل بالدستور الذي ينص على عدم تدخله في شئون البلاد، وكان الشاه يصل إلى قاب قوسين او ادنى من السقوط في عهد كل من هذه الحكومات الاربع، الا انه كان يجد المخرج المناسب في اللحظة المناسبة فينقض على خصومه كالاسد الهصور ليعلن نفسه الامر والناهي المطلق من جديد وليستبد بالبلاد ما شاء إلى الاستبداد سبيلا.
لقد كانت الفئات السياسية المناهضة للشاه تعلم جيدا ان الفرصة مواتية لها وعليها ان لا تعطي الفرصة للشاه للمرة الخامسة ان يفلت من يدها، واذا كان الشاه بدأ بالتنازل امام مطالب الشعب فلابد وان الرضوخ سيستمر كلما ازداد الشعب في المطالبة بحقوقه المغتصبة واتحدت الفئات السياسية كلها على العدو المشترك. وربما ان الشعب هو شعب مسلم يتغلب عليه روح الايمان فكان لابد من استغلال هذه الروحية لا سيما والعداء قد استحكم بين الشاه وكثير من رجال الدين وكان على رأس قائمة المناوئين الخميني الذي كان يعيش في العراق بعيدا من بطش الشاه وفي مأمن من سافاكه. فارتأب الفئات السياسية ان تتخذ من هذا الشيخ العجوز الذي بلغ الثمانين قائدا للنضال.
وكان يخيل للناس كافة ان اختيار الخميني قائدا للثورة يعطي تماسكا للشعب الايراني في نضاله ويجتمع تحت لوائه من كل صنف ونوع، فلم يفكر احدا قط ان الثورة اذا نجحت فان مرشدها يخون ثقة الشعب به ويرتكب خيانة منكرة عظيمة تتجاوز حدود التصور، فيحتكر السلطة لنفسه ولزمرته ويرتكب في سبيل السلطة من الاثام ما تقشعر من سماعها الابدان، بل كان التصور السائد ان الرجل يقود الثورة وهو غير طامع في الحكم راغب عنه ولذلك لم تجد الفئات السياسية خيرا من الخميني للعمل على جمع الفئات السياسية المختلفة الاهواء تحت راية الثورة التي يقودها، وقد اقسم ايمانا مغلظة امام العالم انه لا هو ولا زمرته يطمعون في أي شيء من مكاسب الثورة، بل لايريدون لانفسهم جزاء ولاشكورا وانهم سيعتزلون السياسة عندما تنجح الثورة ويعودون إلى مدارسهم الدينية في مدينة قم، يقرأون ويؤلفون ويدرسون، والحرية المطلقة تكون للشعب في اختيار النظام يريده ويحبذه.
لقد افردنا لهذه الخدعة الكبرى فصلا خاصا نلقي الاضواء على الاسباب التي ادت إلى اختيار الخميني مرشدا للثورة ومن ثم سطوه على الثورة الايرانية بالنار والحديد. اما الان فنعود إلى بيان الاسباب التي ادت إلى انهيار النظام الشاهنشاهي ليكون القاريء الكريم على بينة من امر الثورة الاسلامية في ايران وليكون على علم باخطر مراحلها في اخطر مرحلة من تاريخ النظام الشاهنشاهي المقبور.
لقد بدأ الشاه بالتنازل امام مطالب الشعب واقال عباس هويدا رئيس وزرائه المزمن الذي حكم البلد 14 عاما ارضاء للشعب ثم اقال الجنرال نصيري رئيس السافاك وعينه سفيرا في باكستان، وشكل حكومة جديدة يرأسها اموزكار المعروف بعمالته لامريكا وتعثر اموزكار في مهمته بسبب الاضرابات المستمرة التي شلت المصالح العامة فاستقال بعد شهرين ليخلفه شريف امامي الذي استقال بعد فترة وجيزة ليستلم الحكم الجنرال ازهاري، ولم يكن نصيب ازهاري في الحكم اكثر من سلفيه فاستمرت الاضرابات واشتدت المواجهة بين الشعب والحكومة، واراد الشاه ان يرضي الشعب فأمر باعتقال عباس هويدا رئيس وزرائه المفضل متهما اياه بالفساد والاستغلال واعيد جنرال نصيري إلى طهران ليعتقل مع هويدا بنفس التهمة وحملا مسئولية خراب البلاد ودمارها.
وحصلت مواجهة دموية بين الشعب والجيش في تبريز استعمل الجيش فيها سلاح الجو، أي الطائرات السمتية لضرب المتظاهرين فقتل رهط كبير، وهاج الشعب وماج عندما علم بأنباء تلك المجزرة الرهيبة فاستمرت الاضرابات وامتنع الموظفون عن الذهاب إلى دوائرهم حتى ان طلاب المدارس الثانوية والمتوسطة بدأوا يقرأون اناشيد حماسية ضد الشاه في صفوف المدارس فأمرت الدولة بتعطيل المدارس الثانوية والمتوسطة، اما الجامعات فكانت تغلي وفي مواجهة مستمرة مع الجيش والسافاك وحصل ارتباك في اجهزة الدولة وفي الجيش كان اخرها يوم الجمعة الاسود الذي اطلق الجيش النار على المتظاهرين في طهران في ساحة (جاله).. فاستشهد في تلك المواجهة عدد غفير من ضمنه نساء حوامل كن يتقدمن التظاهرات وزاد الطين بلة هذه المجزرة المنكرة فاستقال ازهاري وظهر الشاه على شاشة التلفزيون يقول لشعبه : (لقد سمعت ندائكم وها انا معتذر اليكم، سأفعل ما تأمرون وها انا امد يدي إلى رجال الدين العظام ليساعدونني في حل مشاكل البلاد).
لقد كان هذا الخطاب انتحارا للشاه وايذانا بنهاية نظامه، فقد ظهر بمظهر الضعيف المسكين الذي يستجدي العطف من اعدائه الذين عبر عنهم في خطاب جماهيري بالكلاب النابحة التي لا تستطيع رؤية القمر المنير. ان هذه الاهانة الموجهة إلى رجال الدين والخميني بالذات كانت قد صدرت من الشاه قبل ثلاثة اشهر فقط من خطاب الاعتذار ولم يزل صداه عالق في الاذان، وكان الشاه في الحقيقة قد ضيع اللبن في الصيف فلم يجد الاعتذار خيرا بل زاد في سخط الساخطين واتحاد المناوئين وعرف الشعب ان مليكه بدأ يستجدي العون من اعدائه ومن ينتظر من العدو خيرا ومرحمة فقد حانت ساعته فأجهز الشعب على ملكه من كل صوب وحدب.
وبدأ الشاه يتخبط في اتخاذ القرارات، فطلب من الدكتور شاهبور بختيار عضور الجبهة الوطنية تشكيل حكومة تخلف حكومة الازهاري، الذي استقال تحت وطأة الهياج العام والاضرابات المستمرة. وكان للدكتور بختيار سجل حافل بالنضال وقضى سنوات في سجن الشاه وكان الشاه الاب رضا بهلوي قد قتل والده في السجن خشية نفوذه وسلطانه. وقبل الدكتور بختيار تشكيل الحكومة فطردته الجبهة الوطنية من عضويتها لانه خالف رأي الحزب الذي ينتمي اليه، وكانت الجبهة الوطنية قد طلبت من بختيار عدم التعاون مع الشاه، ومع ان بختيار ابلغ الجبهة انه قبل المسؤولية بشرطين : اولها حل السافاك والثاني مغادرة الشاه لايران لفترة طويلة يحل محله مجلس الوصاية على العرش وبذلك يكون مطلق اليدين في اتخاذ القرارات، الا ان الجبهة اصرت على رفضها في أي نوع من التعاون بين احد اعضائها البارزين والشاه، استلم بختيار السلطة وشكل دولة مدنية اعتبرها الشعب اوهن من بيت العنكبوت، فلا الاضرابات توقفت ولا اجهزة الدولة تعاونت معه، بل ازداد الوضع السياسي من سيء إلى اسوأ. وبدأ كبار رجال الدولة واعضاء الاسرة المالكة يغادرون ايران حاملين حقائبهم المليئة بالاموال التي نهبوها من الشعب، وفي خلال ستة اشهر تجاوزت رؤوس الاموال التي خرجت من ايران عن طريق البنك المركزي واودعت في النبوك الاجنبية باسم الساسة القدامى واسرة الشاه الفا مليون دولارا.
واخيرا غادر الشاه وملكته ايران بصورة مهينة، وعند سلم الطائرة رأى المودعون دموع الشاه تسيل على وجنتيه وكأنه يودع وداعه الاخير مع وطنه وامته. وعندما عرف الشعب مغادرة الشاه خرج إلى الشوارع عن بكرة ابيه يهلهل ويصفق واهازيج الافراح والابتهاج ملأت الخافقين.
غادر الشاه طهران إلى المغرب بدعوة من الملك الحسن وترك المغرب بعد ايام إلى جزر الباهاما في البحر الكارائيبي ينتظر القضاء والقدر وفي قلبه بصيص امل للعودة إلى البلاد. كانت امال الشاه معلقة على ثلاثة عوامل :
تغير السياسة الامريكية نحوه.
حكمة بختيار في معالجة الازمة العارمة.
قادة الجيش الذين بقوا اوفياء معه إلى الساعة الاخيرة.
وفي اقل من شهر واحد خابت امال الشاه كلها، فلا الامريكان غيروا سياستهم ولا بختيار بقى سيد الموقف والجيش استطاع التحرك، بل الذي اصبح سيد الموقف هو الشعب وحده وهكذا استجابت الاقدار لارادة الشعب الذي لم يخرج من محنته الكبرى الا بعد اللتيا والتي ليبتلي بالطامة العظمى، فكان شأنه كالمستجير من الرمضاء بالنار.
اما تفاصيل الاسباب التي ادت إلى الانهيار التام للملكية وخيبة امال الشاه في العوامل الثلاثة التي كان يعول عليها فانها تتلخص :
السياسة الامريكية والتي كانت السبب الرئيسي في ما لحق بالشاه من هزيمة منكرة فانها وان لم تقصد في بادئ الامر تغيير الشاه كما تدل الشواهد والاثار التي ظهرت ابان الثورة الايرانية وبعدها الا انها كانت تسعى تعديل السياسة القمعية التي كان يمارسها الشاه كدليل ساطع لالتزام الرئيس الامريكي الجديد بوعوده امام شعبه والعالم، ومن هنا نرى الرئيس الجديد للولايات المتحدة قبل دعوة الشاه لزيارة ايران وتبادل نخب الصداقة معه وعبر عن ايران (بجزيرة الاستقرار) في ظل النظام القائم فيها، ولا اعتقد ان تلك السفرة كانت سفرة اعتباطية عابرة بل خطط لها كل التخطيط، فالشاه كان يعتبر عاملا من عوامل السياسة الامريكية في المنطقة، واذا ما اضطر الرئيس الامريكي تحت وطأة الرأي العام بأن يسحب بساط القوة من تحت قدميه فهذا الامر لايعني انه اراد تقويض النظام والتعاون مع الخصوم للثورة ضده، ولذلك كان العالم يسمع تصريحات مشجعة لنظام الشاه في المؤتمرات الصحفية التي كان المسئولون الامريكان يعقدونها في البيت الابيض بما فيها الناطق الرسمي باسم الرئيس، ولم يكن معقولا ان يسقط نظام الشاه اذا كانت السياسة الامريكية تسانده بهذه السهولة وبين عشية وضحاها فخمسن الف مستشار امريكي الذين كانوا يعملون في الجيش والسافاك والأجهزة الاخرى كانت لهم من القوة والقدرة على تحريك الجيش والسافاك بكل ثقليهما لاخماد الثورة. ولكن كما اعترف الشاه في مذكراته ان الامريكان لم يعلموا شيئا لانقاذه عن طريق مستشاريهم عندما عرفوا ان ورقته خاسرة، بل كانوا يرغبون في مغادرته البلاد كما قال له الجنرال هايزر معون رئيس حلف ناتو والذي وصل إلى ايران بغير علم منه واتصل بالمعارضة بدون علمه ايضا، وعندما زاره في قصره لم يبحث معه تطورات الازمة بل كان يسأله بصورة مكررة متى تغادر ايران؟ ويظهر من اعترافات زمرة الخميني بوضوح ان الامريكان غيروا سياستهم في دعم الشاه في الشهور الاخيرة قبل سقوط النظام وبدأوا بالاتصال مع الخميني وزمرته، فهل كان هذا لانهم علموا بان الشاه مصاب بالسرطان ولايعيش طويلا، واذا مات فليس هناك من يخلفه بقوته وجدارته ولا سيما فان ولي عهده لم يبلغ سن الرشد وزوجته الملكة لايحسب لها حساب فالبحث اذن عن نظام قوي صديق كانت تمليه السياسة الامريكية، وهنا لابد من ذكر الدور الكبير الذي لعبه الخميني وجماعته مع الامريكان موحيا لهم ان السياسة التي سيتبعونها في حالة نجاحهم ستكون موالية لهم وهنا نأخذ بعين الاعتبار ان اهتمام السياسة الامريكية قبل كل شيء ينصب على عدم انتصار الشيوعية في منطقة الشرق الاوسط ولاسيما في مثل ايران التى تحظى بموقع استراتيجي هام فزوال الشاه الحليف المريض اذا كان يخلفه نظام ديني ارتجاعي متزمت يقضي على الشيوعية بسيف الاسلام فانه يعتبر حليفا طبيعيا لهم، فدحر الشيوعية والقضاء عليها قضاء تاما باسم الدين وواجب الايمان كما يعرفه العالم انما هو في ضمن التخطيط الاساسي للسياسة الامريكية في هذه المنطقة الحساسة من العالم والمليئة بسبعين في المائة من احتياطي النفط العالمي الذي تتوقف عليه الحضارة في امريكا واوروبا. ومع اننا لاندري بالضبط المذكرات التي دارت بين الامريكان وزمرة الخميني الا اننا ندري انه التحق بالخميني في النجف وقبل ان يغادرها بيوم واحد صديقه ومستشاره الدكتور ابراهيم يزدي الامريكي الجنسية وكان هذا الشخص في رفقة الخميني في باريس ومن اقرب المقربين اليه، وكاد اليزدي يسبب مشكلة سياسية للخميني عندما منعته الكويت الدخول إلى اراضيها ووافق العراق على عودته ماعدا اليزدي الذي كان يحمل الجواز الامريكي، واصر الخميني على اصطحاب اليزدي معه واصرت الحكومة العراقية على عدم الوافقة لأن الرجل امريكي وغادر العراق ولايحق له الدخول مرة اخرى الا بعد الحصول على الموافقات الرسمية التي تقتضيها الحالة الموجودة اثر قطع العلاقات الدبلوماسية بين العراق وامريكا، واخيرا دخل الخميني الاراضي العراقية وترك اليزدي في الحدود، وعندما وصل إلى بغداد قدم التماسا إلى السلطات العليا يطلب منح اليزدي اذن الدخول إلى العراق لاربع وعشرين ساعة فقط شريطة ان يغادرها بصحبته واستجابت السلطات العليا لرجاء الخميني والتحق اليزدي بالخميني في بغداد، واليزدي هذا عين في اول دولة شكلت بعد نجاح الثورة برئاسة بازركان نائبا لرئس الوزراء في شئون الثورة ومتابعتها ووزيرا للخارجية فيما بعد.
ووجود شخص امريكي في قلب النظام كان تعبيرا بليغا عن التعاون الحميم بين الثورة وامريكا، ناهيك عن المحادثات التي دارت رحاها في باريس بين الخميني ورمزي كلارك وزير العدل الامريكم السابق وهكذا المحادثات التي دارت بين زمرة الخميني في طهران مع الامريكان كما اعترف بازركان وبهشتي ورفسنجاني وغيرهم من اركان الزمرة الحاكمة واعترفوا في الصحف والاذاعة والتلفزيون انهم اجروا تلك الاتصالات بالامريكان بعلم الخميني وامره، ولم يكن اليزدي هو الامريكي الوحيد في الدولة بل كان كلا من امير انتظام وزير الدولة والناطق الرسمي باسمها ودكتر جمران وزير الدفاع على شاكلة اليزدي يحملان الجنسية الامريكية وكان من الشائع ان اليزدي وزميليه عميلان مأجوران معروفان للمخابرات المركزية الامريكية. ومع ان نشوة الانتصار حجبت عن الشعب تلك الجسور الممتدة بين الخميني والامريكان، وكان يسمع من الخميني في خطبه اليومية، ان الامريكان كانوا وراء كل مالاقاه الشعب الايراني من المحنة والبلاء على يد الشاه وهم السبب الحقيقي لما لاقته ايران في ربع قرن من الذلة والهوان، الا ان العيون الساهرة بدأت تراقب هذا التناقض في القول والعمل وظهرت على صفحات بعض الجرائد اسئلة حول وجود هؤلاء الامريكان في حكومة بازركان ثم اسئلة اخرى تسأل البازركان والخميني معا عن السبب في عدم الغاء المعاهدات العسكرية وصفقات الاسلحة بالاف الملايين وعن الاتفاقيات التجارية التي ابرمت بين نظام الشاه والحكومة الامريكية طالما ان الثورة الايرانية كانت في حقيقتها ضد السياسة الامريكية في ايران، كان جواب بازركان ان حجم هذه المعاهدات تتجاوز الاف الملايين وانها تتجاوز 900معاهدة عسكرية وتجارية وصفقات الاسلحة وان الغاء هذه المعاهدات يحتاج إلى دراسة وافية تستغرق شهورا بل سنوات ولايمكن ان نلغي المعاهدات من جانب واحد لما يترتب على ذلك من خسارات مالية عظيمة، واذا كان الشعب قد اقتنع بهذه الاجوبة الركيكة الا انه لم يسمع جوابا مقنعا عن سبب وجود الوزراء الذين يحملون الجنسية الامريكية في قلب الدولة الخمينية وبقيت العلاقات مع الامريكان على احسن مايرام إلى ان حدثت ازمة الرهائن وبذلك حدث تغير مفاجيء في ظاهرة السياسة الايرانية نحو الامريكان وقد نفرد فصلا خاصا لتلك المهزلة التي اضحكت العالم وابكته.
وهنا نصل إلى بيت القصيد في شرح العلاقات الثنائية بين الخميني والامريكان إلى ماقبل ازمة الرهائن، ومن انها كانت علائق حسنة ووثيقة لا يستوجب التفريط بها لحماية الشاه الذي فقد كل قواعده الشعبية في ايران. وبما ان السياسات العالمية الكبرى لاتصل إلى احد في البلاد التي يحكمونها بصلة القربى، بل انها تنبع من مصالحها الهامة التي تسعى لاجلها فلذلك كانت التضحية بالشاه في سبيل الخميني امرا معقولا اذا ما استمر الخميني على نهج الشاه في تنفيذ المخطط العام الذي كانت ترسمه له وهكذا ضحى الامريكان بالشاه وهم على امل صديق حميم قوي جديد.
اما حكمة بختيار في معالجة الازمة السياسية ذهبت ايضا ادارج الرياح، فان شاهبور بختيار الوطني الذي قضى شطرا كبيرا من حياته في معارضة الشاه وفي سجونه كان قد فقد في نظر الشعب تلك الوطنية بعد ان صافح الشاه واخذ على عاتقه حماية التاج، والازمة السياسية التي كانت تعد العدة للثورة تجاوزت حدود الاشخاص والافراد ولم يكن بمقدور شخص واحد ان يوقف زحفها مهما كانت وطنيته ونضاله المشرف. وعندما عين الدكتور بختيار رئيسا للوزراء كنت انا في بغداد واتصلت هاتفيا بالسيد ابو الحسن بني صدر وقلت له في حديث دام قرابة ساعة، الوطنية تفرض عليكم حماية هذا الرجل ان الوطنية تفرض عليكم وعلى الخميني ان تجدوا حلا وسطا لمساندته فباستطاعته ان يجد حلا فيه الخلاص من الملكية ومنع البلاد ومؤسساتها من الانهيار الكامل، ولم يجد كلامي اذنا صاغية في وقته فسافرت إلى باريس وانا في طريقي إلى امريكا وكان الخميني انذاك فيها والشاه في المغرب في السفرة التي لم يعد منها ابدا إلى بلاده فاتصل بي احد اقرباء بختيار يطلب مني ان اقوم بدور الوفاق بين بختيار والخميني، وارسل بختيار ابن عمه عباس قلي بختيار والذي كان وزير العمل في حكومته إلى باريس، وحاولت ان اصلح بين الرجلين ودامت المحادثات ثلاثة ايام، ومع ان الدكتور بختيار كان يعد باعلان الجمهورية شريطة ان يمهله الخميني ثلاثة اشهر، الا ان الخميني كان لايراه صادقا في مواعيده ثم كان يقول ما دام اننا وصلنا إلى ابواب الانتصار فلماذا ننتظر ثلاثة اشهر اخرى. وفي اخر لقاء مع الخميني سألته بصراحة، اذا اعلن بختيار الجمهورية يوم غد فماذا يكون موقفك منه؟ هل تؤيده؟ ام تقف ضده، وبدا الاحراج على وجه الرجل.
وقال : انه لن يفعل هذا. فسألته من جديد : اذا فعل فكرر الخميني كلامه مرة اخرى فكررت عليه القول، سنفرض انه فعل، ماذا يكون موقفك؟ طأطأ الخميني رأسه.
ثم قال بعد برهة انه لن يفعل وسكت وانتهت المحادثات وخرجت من عند الرجل مقتنعا انه لايسمح لاحد ان يلعب دورا بارزا في الثورة بل يريد ان يحتكر كل دور لنفسه، وفي صباح اليوم التالي،
قلت للسيد عباس قلي انا لااجد في المحادثات هذه نجاحا وتقدما وساطلب من السيد ابو الحسن بني صدر ان يتابع الوساطة فهو صديق الرجلين وغادرت باريس إلى الولايات المتحدة الامريكية، وبعد يومين اتصلت بالسيد بني صدر هاتفيا وسألته عن سير المحادثات،
فقال : ان المهمة فشلت وانه سيترك باريس مع الخميني بعد يومين إلى طهران وسألته وعلى متن طائرة واحدة؟ اجاب نعم ثم اضاف قد تسقط الطائرة ونستريح جميعا،
فقلت : والعالم بأسره،
قال : أي والله.
لم تستطع حكومة بختيار مواجهة التيار الحاد الذي كان يعصف بحكومته، فالتيار كان اقوى منه ولم يكن بختيار هو المقصود بالامر بل كان المقصود هو النظام الذي اصبح بختيار جزءا منه، وسقط النظام وسقط معه بختيار، وهكذا فقد الشاه ثاني امل في العودة وبقي الامل الثالث وهو الجيش وقادة الشاه الاوفياء وهذا الامر لم يكن اكثر من (سَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) وتفصيل فشل الجيش في مواجهة الثورة العارمة التي شلت كل مرافق الدولة بما فيها الجيش نفسه يتخلص فيما يلي :
اولا ان اكثرية قواد الجيش الذين نصبهم الشاه في مناصب مرموقة من مرافق القوات العامة لم يشترط فيهم الكفاءة العسكرية بل كان الشرط الاول والاخير هو الوفاء للشاه واطاعته اطاعة عمياء، وبما ان الجيش يتبع قادته في مواجهة الازمات الحادة فان القوات العسكرية لم تستطع حسم المواجهات المتتالية مع الشعب عسكريا سواء بسبب عدم كفائتهم او بسبب ضعف الشاه في اتخاذ القرارات الحاسمة او لعدم وجود ضوء اخضر من الامريكان الذين كانوا يسيطرون على مرافق الجيش المختلفة والهامة بمستشارين عسكريين وسياسيين كما ان من الضروري ان لا يغرب عن بالنا ان الجيش الايراني جيش مسلم ومتأثر بالمبادئ الاسلامية ومع وفائه المطلق للشاه الا ان وفائه لدينه يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار وقد اخذت الثورة طابعا دينيا في اخر ايامها حيث انضمت إلى الثورة اكثر الشخصيات الدينية الهامة ذات النفوذ في قلوب الشعب، وانضمام كثير من هؤلاء إلى الثورة كان اضطرارا وخوفا من الرأي العام والشارع الذي انضم إلى الرأي العام بدأ يتحكم في الوضع السياسي السائد في البلاد، كما ان كثيرا من رجال الدين الذين التحقوا بالثورة كانوا من انصار الشاه او من معارضي الخميني ولكنهم عندما علموا ان القطار المليء بالغنائم سيفوتهم اذا بقوا محايدين او مناصرين للشاه، انضموا إلى الثورة شأنهم شأن كل مستغل للظروف السانحة التي تعصف بالرطب واليأبس.
اذا كان من الطبيعي ان يتأثر الجنود والضباط الصغار وهم الكثرة البالغة في الجيش بالعاصفة الشعبية المطلية بطلاء الدين ولاسيما ان الجنود كانوا من الشعب فلابد وانهم يتأثرون بالثورات التي تأخذ الطابع الشعبي العام فقد تحصل مواجهة بين الجيش والشعب ولكن لفترة محدودة ولمرة او مرتين، اما المواجهة التي انتهت إلى انهيار الجيش الايراني امام الشعب فقد استمرت ستة اشهر وكانت تحصل المواجهة كل يوم وفي كل ناحية من ايران المترامية الاطراف وفي صورة كر وفر انتهت في آخر المطاف إلى تضعيف معنويات الجيش وعدم الولاء لقوادهم الذين كانوا هم بدورهم لايدرون حقيقة السياسة التي يجب عليهم اتباعها. وقد انتهت معنويات الجيش الايراني بمغادرة الشاه أي القائد الاعلى للقوات المسلحة إلى خارج ايران بتلك الصورة المشينة ولا شك ان جيشا كجيش ايران الذي تعود ان يظهر وجهه الحقيقي تحت راية ملوكه قد ينتهي وينهار اذا ما هرب إلى خارج البلاد قائده الاعلى وامبراطوره الذي كان يرى فيه مجد ايران القديم والحديث معا. وهكذا انهار بين عشية وضحاها جيش كان قوامه 400الف جندي مدجج بالسلاح ومعدات عسكرية ارضية وجوية كانت تقدر بثلاثين بليون دولار وخبرات عسكرية ومستشارين اجانب كانت تكلف الشعب اربع الاف مليون دولار سنويا من قوته ودمه، ليعلم العالم ان ارادة الشعب تنبع من ارادة الله واذا اراد الله شيئا هيأ اسبابه.


سقوط الامبراطور
الفئات المتحالفة لاسقاط الشاه.
اذاعة بي بي سي الريطانية.
فرنسا تحمي الخميني.
الثورة الشاملة.
بازركان في الحكم.

قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)

سقوط الامبراطور
كيف سقطت الامبراطورية الايرانية؟ وكيف سقط الامبراطور محمد رضا بهلوي؟ ومن هم الذين مهدوا الطريق لاسقاطه؟
لقد توالت الاحداث تلو الاحداث ومهدت الطريق في سقوط امبراطورية كان عمرها 2500عاما. لقد كانت الاحتفالات العظيمة التي شهدتها برسبوليس بمناسبة مرور الفين وخمسمائة عام على عمر الملكية في ايران لم تزل حديث الملوك والرؤساء التسعين الذين حضروا تلك الاحتفالات من اقصى الارض عندما بلغهم ان القي وخمسمائة عاما من التاريخ الذي احتفلوا لاجله في برسبوليس قد تبخر في خلال 6ساعات فقط.
قال المهندس بازركان في احدى خطبه ان الخميني لم يسقط الشاه بل الشاه هو الذي اسقط نفسه، ان اعدى اعداء الشاه كان الشاه نفسه وليس الخميني وزمرته والجماهير التي تعاونت لاسقاطه. ان السياسة التي اتبعها الشاه في ايران كانت نتيجتها المحتومة سقوطه وسقوط نظامه كما اشرنا اليها بصورة اجمالية في فصل آخر من هذا الكتاب، اما الفئات التي تعاونت وتكاتفت لاسقاطه في اللحظة المناسبة ومن ثم استطاعت ان تستقطب الجماهير في كل مكان فانها كانت لا على سبيل الحصر :
الجبهة الوطنية والتي كانت ترى في الدكتور مصدق رحمه الله رائدا لها.
نهضة المقاومة الشعبية التي اسسها الامام الزنجاني والمهندس بازركان بعد ان انشقوا من الجبهة الوطنية وكانت لهاتين المجموعتين نفوذ كبير في الاوساط الجامعية وفي البازار (المركز التجاري لطهران والمراكز التجارية في مدن اخرى).
مجاهدين خلق : وهو الحزب الذي اسسه موسى خياباني ومسعود رجوي وغيرهما وبدأوا يعكرون صفو النظام بالمقاومة المسلحة وكان الاب الروحي لهؤلاء اية الله الطالقاني رحمه الله والتف حول هذا الحزب شباب المدارس والجامعات، وكان الشاه يعبر عنهم بالمركسيين الاسلاميين، وكان لهؤلاء دور بارز وعظيم في نجاح الثورة."1"
كبار رجال الدين والذين اضطهدتهم سلطات الشاه في خلال السنوات التي تلت المجابهة الدامية بين الشاه والزعامة الروحية وكان لهؤلاء نفوذ واسع بين صفوف الشعب امثال، اية الله الطالقاني والامام السيد حسن القمي والامام الشيخ بها الدين المحلاتي والامام الخاقاني، وهؤلاء كانوا على طرفي نقيض مع الخميني وزمرته سواء في افكاره او في سياسته ولكن المصيبة كانت تجمعهم على كل حال فكانوا في خندق واحد ضد الشاه مع احتفاظهم باصالتهم في التفكير واستقلالهم في اتخاذ القرارات.
جماعة الدكتور شريعتي : وكلهم كانوا ولايزالون من الشبان الجامعيين المتحمسين للتجديد الاسلامي وقد سحرهم شريعتي بافكاره الغامضة التي كانت تفسر بانها ضد طبقة من رجال الدين الموالين للشاه وللنظام الحاكم.
خميني وزمرته من رجال الدين الموجودين في اخل ايران وخارجها.
الاحزاب اليسارية بما فيها حزب توده الشيوعي.
لقد اجتمعت هذه الاحزاب والفئات كلها على اسقاط النظام، وبما ان كل حزب وفئة كانت ترى نفسها اولى واحق بتولية امور البلاد اذا ما قدر لها النجاح في اسقاط الشاه، فقد استقر رأيهم على اختيار زعيم يقود الحركة وهو على حد (زعمهم) لايطمع في الحكم فوقع الاختيار على الخميني. ولعب الخميني نفسه دورا عظيما في اغفال الشعب وسائر الفئات المناضلة وايهامهم انه يكون الرجل المفضل لقيادة الثورة اذا ما اجتمعوا تحت لوائه، ومن هنا جاء تعيينه للمهندس بازركان كاول رئيس للوزراء بعد الثورة ومشاركة نفر قليل من افراد زمرته في الحكم، دليلا قاطعا على التزامه بالنهج الذي اعلنه للشعب كافة. واستقر الخميني في نفل لوشاتو قرب باريس تحميه الشرطة الفرنسية وكل الاذاعات العالمية والصحف الكبيرة تنشر ما يقوله ضد الشاه وكانت زمرته في ايران تنشر الكاسيتات التي تحتوي على خطبه المثيرة للشعب وانضمت إلى الخميني اذاعة بي بي سي الفارسية في لندن لتذيع كلما يقوله الخميني ويطلبه من الشعب الايراني حتى اصبحت بوقا من ابواقه ولعب تلك الاذاعة البريطانية دورا هاما في نجاح الثورة لانها الاذاعة الفارسية الوحيدة التي يهتم بسماعها الشعب الايراني الذي كان يعتقد انها تجسد السياسة البريطانية وكان الاستنتاج السياسي لدى الشعب الايراني وساسته ان الوضع الذي اتخذته اذاعة بي بي سي البريطانية في حمايتها للخميني وللثورة انها تمثل رأي بريطانيا وان الدول العظمى قد اتفقت على تصفية الشاه. فموقف الامريكان مع التناقض الموجود في تصريحات الساسة الامريكيين حول تأييدهم للشاه كان ضعيفا. وموقف بريطانيا كما تشهد به اذاعتهم الرسمية كانت مع الخميني والثورة، وان كانت البيانات الرسمية التي يدلي بها الساسة الانكليز تناقض اذاعتهم. اما فرنسا فقد جندت كل قواها لحماية الخميني واعطائه فرصة التحرك كما يحب ويشاء. اما الروس فهم ضد الملكية بطبيعة سياستهم وحزبهم (التودة) كان يتعاون مع الثورة والخميني تعاون الصديق مع صديقه.
اذن كل القوى العظمى رضخت للامر الواقع وهو تصفية الشاه، وعاد الخميني إلى طهران عودة الابطال واستقبله 6 ملايين شخص لدى وصله مطار مهر اباد الدولي ولم يسقط سلاح الجو الايراني طائرة البوينغ التي كانت تقله في سماء ايران ومع ان قائدها كان يحمل في قلبه الولاء الكامل للشاه لم يقدم على هذا الامر الذي كان اخر بارقة امل لانقاذ النظام الشاهنشاهي في نظر المخلصين للنظام، وقد جازى الخميني بالاعدام هذا القائد الذي كان باستطاعته اسقاط طائرته والقضاء عليه وعلى زمرته التي كانوا في معيته و 150 صحفي من انحاء العالم.
واعلن الخميني فور وصوله إلى طهران عدم شرعية حكومة بختيار وتعيين المهندس بازركان رئيسا للوزراء، واصبحت ايران تعيش في حالة من الفوضى والارتباك، وكان لابد للازمة ان تنتهي بنصر احد المتخاصمين، وكانت الايام تمر بسرعة، ففي يوم 14فبراير من عام 1979 اعلنت حكومة بختيار الحم العسكري ومنع التجوال واعلن الخميني العصيان العام فخرجت ملايين الناس إلى الشوارع متجهة نحو الثكنات العسكرية وسلاح الجو ومقر السافاك والقوات الصاعقة التي كانت تحت امرة قائد حرس الشاه، وحصلت مواجهة صغيرة استولى الناس على تلك المرافق العسكرية والسلاح الموجود فيها وقتلوا بعض القادة العسكريين الذين ارادوا الدفاع عن ثكناتهم وجاء الجنرال قرباغي القائد الاعلى للقوات المسلحة إلى الخميني مستسلما للامر الواقع معلنا حياد الجيش في المجابهة التي كانت تدور رحاها في شوارع طهران وسائر المدن الايرانية الاخرى، وعاد الجيش إلى ثكناته بامر من قائده الاعلى واعلن الخميني ولادة الجمهورية الاسلامية الايرانية. فولى عصر ليشهد العالم عصر جديد.
اما بختيار فقبل ان يستطيع الهرب القت مجموعة من المتظاهرين القبض عليه واقتادوه إلى مقر بازر كان رئيس الوزراء، غير ان بازركان وفاء لسنوات النضال إلى قضاها مع هذا الزميل المنكوب هيئ له وسائل الفرار، فهرب بختيار بعلم بازركان ومساعدته من ايران إلى فرنسا "1"، وهكذا انتهت الفين وخمسمائة عاما من التاريخ بسقوط الامبراطورية والامبراطور.


الماكرون
الخدعة الكبرى
الدستور المزيف
حصر السلطات التنفيذية بالزمرة الخمينية
تأسيس الحزب الجمهوري الاسلامي
المجلس التشريعي المزور
الخميني يامر بن صدر باخفاء الحقائق عن الشعب
عزل الرئيس

(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (26))

الماكرون
كيف استولت الزمرة الخمينية على السلطة؟ وما هي الاسباب التي ادت إلى تلك الخدعة الكبرى في تاريخ ايران؟
الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى مراجعة التاريخ لقرن مضى ولاسيما تلك الفصول التي تتعلق بنضال الشعب الايراني بقيادة زعمائه الدينيين مبتدأ من ثورة الشيرازي الكبير السلمية ضد الانكليز في 1891 حتى آخر ثورة شهدتها ايران بقيادة زعمائه الدينيين والتي انتهت إلى سقوط الملكية واعلان الجمهورية.
ان التاريخ يحدثنا بكل وضوح ان الزعماء الروحيين في تاريخ النضال الشعبي كانوا يقودون حركات التحرر باخلاص القائد الفذ وعندما كانت الثورة تنجح في مقاصدها كان الزعماء الروحيون يعودون إلى واجباتهم الروحية ولم يطلبوا لانفسهم جزاء ولا شكورا.
قاد الشيرازي الكبير الثورة السلمية ضد الانكليز والملك المستبد ناصر الدين ولما رضخ الملك لامر الامام والغى معاهدة التبغ التي ابرمها مع الانكليز ابرق له الشيرازي يدعو له بالتوفيق ويطلب منه ان يكون قدوة لكل الحاكمين.
وبعد هذه الحادثة بخمس عشر سنة ثار الشعب الايراني بقيادة زعيم عظيم من زعمائه الروحيين وهو الاخوند محمد كاظم الخراساني ضد الملك المستبد محمد علي شاه الذي الغى الدستور وحل مجلس الامة ليستبد بالامور، وخاض ذلك الزعيم الروحي غمار تلك الثورة الشعبية التي قدمت من التضحيات الكثير لينال الشعب حريته، واخيرا عزل الاخوند محمدكاظم الخراساني الملك من وظائفه وخلعه من عرشه واضطر الملك المعزول اللجوء إلى سفارة الروس القيصرية في طهران وثبت الاخوند محمد كاظم رحمه الله ابن الملك المخلوع احمد شاه ملكا على ايران ولم يطلب لنفسه جزاء ولا شكورا.
كان باستطاعة الخراساني ان ينصب نفسه واليا وآمرا بأمر الله على العباد والبلاد كما فعل الخميني ولكنه ارتفع عن هذا الامر بل انصرف إلى واجباته الروحية من جديد.
وفي عام 1950 شهدت ايران ثورة عارمة ضد الانكليز قادها الامام الكاشاني والدكتور مصدق رحمة الله عليها واصبح الامام الكاشاني هو الحاكم المطلق في البلاد وكان باستطاعته تنصيب نفسه رئيسا للجمهورية ووليا للامر ولكنه لم يفعل ذلك بل جلس في داره القرفصاء وعندما انتخب رئيسا للمجلس النيابي ارتفع عن حضور جلساته وهكذا زهد في الرئاسة والحكم حتى ان اطاح الامريكان بمصدق فسجن مصدق ولقي الكاشاني من الهوان الكثير.
اذن لم يخطر ببال الشعب الايراني ان زعيما من زعمائه الروحيين يناضل لاجل الاستيلاء على الحكم والسلطة لاسيما اذا كان ذلك الزعيم يؤكد اكثر من مرة بانه لايطمع في الحكم بل لايخطر في باله ايضا. كما ان الشعب الايراني لم يفكر قط ان زعيما دينيا مثل الخميني يكذب بهذه الفضاحة امام العالم وعندما يصل إلى مأربه يجعل الوعود كلها تحت قدميه، وهناك شيء آخر لابد من الاشارة اليه وهو ان الخميني لم يكن هو الزعيم الديني الوحيد في ميدان النضال، بل كان هناك اخرون لهم دور قيادي كبير في نجاح الثورة، وبعد نجاح الثورة عادوا إلى بيوتهم لا يتعاملون مع الخميني بل هم معه على طرفي نقيض، وهم غير راضيين عما وصلت اليه الزعامة الدينية من انحدار وسقوط وذل وهوان. ان الامام السيد كاظم الشريعتمداري والامام القمي والامام الزنجاني والامام الطالقاني رحمة الله عليه، كان لكل منهم دور عظيم وهام في نجاح الثورة وهؤلاء الائمة الاربعة عارضوا استيلاء الخميني وزمرته على الحكم بالنار والحديد واعتبروا الدستور مزورا والانتخابات مزيفة واعلنوا ان كلما يبنى على الفاسد فاسد ايضا.
اذن فان ما يقال من استيلاء رجال الدين على السلطة في ايران بصورة عامة انما هو في واقعه وحقيقته لايطابق الواقع وحقيقة الامر، بل هناك طبقة خاصة من بين رجال الدين استطاعت ان تستولي على الحكم وتحتكر السلطة لنفسها والصراع بين الحاكمين من اهل العمائم والمحكومين من الطبقة نفسها على اشده في ايران، اما تفصيل تلك المؤامرة الشنيعة على الحرية والشعب باسم الاسلام والدين فهو كما يلي:
لا اعتقد ان الخميني وحده هو الذي وضع خطة احتكار السلطة، بل ان زمرته لعبت دورا هام في وضع الخطط المناسبة في الموقع المناسب مع الاخذ بعين الاعتبار سذاجة الشعب الايراني وايمانه بالثورة ومكاسبها وتاثير المواعيد الكاذبة والخطب الرنانة في نفسية هذا الشعب المغلوب على امره.
لم يظهر الخميني في الايام الاولى بعد نجاح الثورة ما كان يضمره في قلبه من جعل نفسه وليا على العباد والبلاد، بل عين المهندس بازر كان رئيسا للوزراء واطلق يده في تعيين وزراءه ما عدا يزدي وجمران وصادق طباطبائي وعاد إلى قم يستقبل جماهير الشعب كمرشد للثورة يلقي فيهم الخطب اليومية كلما اجتمع على بابه رهط من الناس ولكن في الوقت نفسه استولت زمرته على اربعة من اهم المرافق الحيوية في البلاد:
الحرس الثوري، الذي تم تشكيله منذ الايام الاولى من نجاح الثورة.
اللجان الثورية التي شكلت في المساجد وعلى رأس كل واحدة منها رجل من رجال الدين المحسوبين على الخميني.
المحاكم الثورية التي بدأت بتصفية المعارضين ورجال العهد الملكي فورا.
الاذاعة والتلفزيون.
وفي الاسبوع الاول من العهد الجديد حكمت محكمة الثورة على خمسة من رجال العهد القديم بما فيهم الجنرال نصيري رئيس السافاك واعدموا فور صدور الحكم على سطح المدرسة التي كان يسكنها الخميني في طهران، واجريت المحاكمة بصورة سريعة وسرية مما ادهشت العالم وذلك لان تلك الشخصيات بما فيهم نصيري كانوا اهم ركائز العهد القديم وكان يمكن الحصول منهم على معلومات قيمة عن اسرار الدولة التي ولت الادبار، واعلن بازركان ان لاعلم له بهذه المحاكمات وبالاعدامات وانه لايرضى الا بمحاكمات عادلة وفق اصول متبعة في كل انحاء العالم، ولكن نداء بازركان لم يلق اذنا صاغية واستمرت المحاكم في محاكماتها وظهر للشعب ان الخميني هو وراء هذه المحاكمات وهو الذي يعين القضاة بأمره الخاص، وهكذا ظهرت قوة تنفيذية جديدة تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد ولا سلطان للدولة عليها.
اما حرس الثورة واللجان الثورية فكان كلا منهما دولة في دولة لا تقل شأنا وخطورة عن المحاكم الثورية، لقد كانت باستطاعة أي منها ان ترسل رجالها إلى منزل رئيس الدولة في أي وقت تشاء لتقبض عليه وتجره إلى حيثما تريد وتشاء. وبذلك ظهرت في البلاد ثلاث قوى تنفيذية اضعفها الدولة التي كانت تعتم

من هو الدّيوث ؟؟ وما حُـكم من علِم عن أهله فجوراً فسكت ؟؟

من هو الدّيوث




من هو الدّيوث



من هو الدّيوث ؟؟ وما حُـكم من علِم عن أهله فجوراً فسكت ؟؟


ذُكِـرتْ لي حالة رجل يعلم بوقوع بعض محارمه في الزنا ، وهو ساكتٌ لا يُحرّك ساكناً ، فاقشعرّ جلدي مما ذُكِـر ، فهو والله أمر تقشعر له الأبدان ، ويشيب لِـهولِـه الولدان .

لقد كان أهل الجاهلية الأولى - رغم جاهليتهم – كانوا يرفضون الزنا ، ويرونه عاراً ، ولم يزِد الإسلام ذلك إلا شِدّة ، إلا أن الإسلام تمم مكارم الأخلاق وضبطها بضوابط الشريعة .
فالرجل الجاهلي كانت تحمله الغيرة على دفن ابنته وهي حيّـة ، فجاء الإسلام وأقرّ الغيرة ، وحرّم وأد البنات .

وكانت الغيرة خُلُـقـاً يُمدح به الرجال والنساء .
فيقول الشاعر مُفتخراً بالغيرة :
ألسنا قد عَلِمَتْ معـدٌ *** غداةَ الرّوعِ أجدرُ أن نغارا

وكان ضعف الغيرة علامة على سقوط الرجولة بل على ذهاب الديانة .
ولذا كان ضعيف الغيرة يُذمّ ، حتى قيل :
إذ لا تغارُ على النساءِ قبائلُ *** يوم الحفاظِ ولا يَفُون لجـارِ

وكانت العرب تقول : تموت الحُـرّة ولا تأكل بثدييها
وقال هند بنت عتبة – رضي الله عنها – وقد جاءت تُبايع النبي صلى الله عليه على آله وسلم ، فكان أن أخذ عليها في البيعة ( وألاّ تزنين ) قال : أوَ تزني الحُـــرّة ؟؟؟

ولقد جاء الإسلامُ مُتمِّماً لمكارمِ الأخلاق ، فجعل الغيرةَ من ركائزِ الإيمان ، بل جعلها علامة على قوّة الإيمان .

وفاقِدُها - أجارك الله - هو الدّيوث . الذي يُقرُّ الخبثَ في أهله ، فالجنةُ عليه حرام
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم قال : ثلاثةٌ قد حَرّمَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - عليهم الجنةَ : مُدْمِنُ الخمر ، والعاقّ ، والدّيّوثُ الذي يُقِرُّ في أَهْلِهِ الخُبْثَ . رواه أحمد والنسائي .

والدّيوث قد فسّره النبي صلى الله عليه على آله وسلم في هذا الحديث بأنه الذي يُقرّ الخبث في أهله ، سواء في زوجته أو أخته أو ابنته ونحوهنّ .
والخبث المقصود به الزنا ، وبواعثه ودواعيه وأسبابه من خلوة ونحوها .

قال علي رضي الله عنه : أما تغارون أن تخرج نساؤكم ؟ فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج . رواه الإمام أحمد

تأمل في أحوال الصحابة – رضي الله عنهم – تجد عجباً ، فهم يغارون أشدّ الغيرة ، وكان رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم أشد منهم غيرة .

ففي الصحيحين من حديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عَنْهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه على آله وسلم فَقَالَ : أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ؟ فَوَ الله لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ ، وَالله أَغْيَرُ مِنّي ، مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ الله حَرّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَلاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ الله ، وَلاَ شَخْصَ أَحَبّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ الله ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثُ الله الْمُرْسَلِينَ مُبَشّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَلاَ شَخْصَ أَحَبّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ الله ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الله الْجَنّةَ .

قال ابن القيم رحمه الله : فَجَمَعَ هذا الحديثُ بين الغيرةِ التي أصلُها كراهةُ القبائح وبُغضُها ، وبين محبةِ العُذرِ الذي يوجبُ كمالَ العدلِ والرحمةِ والإحسانِ …
فالغيورُ قد وافقَ ربَّهُ سبحانه في صفةٍ من صِفاتِه ، ومَنْ وافقَ الله في صفه من صفاتِه قادته تلك الصفة إليه بزمامه وأدخلته على ربِّه ، وأدنته منه وقربته من رحمته ، وصيّرته محبوباً له . انتهى .

إذاً فالغيرةُ صفةٌ من صفات الرب جل وعلا ، وصفاته صفاتُ كمالٍ ومدح .
والغَيْرةُ لا يتّصفُ بـها سوى أفذاذ الرّجال الذين قاموا بحقِّ القَوامَـة .

المرأة إذا علِمت من زوجها أو وليّها الغيرة عليها راعت ذلك وجعلته في حُسبانها

هذه أسماءُ بنت أبي بكر تقول : تَزَوّجَني الزّبَير وما له في الأرضِ مِنْ مالٍ ولا مَمْلوكٍ ولا شيءٍ غيرِ ناضحٍ وغير فَرَسِهِ ، فكنتُ أعلِفُ فرسَهُ وأستقي الماءَ وأخرِزُ غَربَهُ وأعجِن ، ولم أكن أُحسِنُ أخبزُ ، وكان يَخبزُ جاراتٌ لي من الأنصار ، وكن نِسوَةَ صِدق ، وكنتُ أنقل النّوَى من أرض الزّبير التي أقطَعَهُ رسولُ صلى الله عليه وسلم على رأسي ، وهي مِنِّي على ثُلثَي فَرسَخ ، فجِئتُ يوماً والنّوَى على رأسي ، فلقيتُ رسولَ صلى الله عليه وسلم ومعهُ نَفَرٌ من الأنصار ، فدَعاني ثم قال : إخْ إخ ، ليحمِلَني خَلفَه ، فاستحيَيتُ أن أسيرَ معَ الرّجال ، وذكرتُ الزّبيرَ وغَيرَتَه ، وكان أغيَرَ الناس ، فَعَرَفَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أني قد استحييتُ فمضى ، فجئتُ الزّبيرَ فقلتُ : لَقيَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النّوَى ، ومعهُ نفرٌ من أصحابه ، فأناخَ لأركبَ ، فاستَحييتُ منه ، وعرَفتُ غَيرتَك ، فقال : والله لَحملُكِ النّوى كان أشدّ عليّ من ركوبِك معَه . قالت : حتى أرسلَ إليّ أبو بكرٍ بعدَ ذلك بخادمٍ تَكفيني سِياسةَ الفَرَس ، فكأنما أعتَقَني . متفق عليه .

وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أنه قال : كان فتى منـّا حديثُ عهد بعُرس قال : فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق ، فكان ذلك الفتى يستأذنُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجعُ إلى أهله ، فاستأذنه يوماً ، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : خذ عليك سلاحك ، فإني أخشى عليك قريظة . فأخذ الرجلُ سلاحَه ، ثم رجع ، فإذا امرأتُهُ بين البابين قائمةً ، فأهوى إليها الرُّمحَ ليطعنها به ، وأصابته غَيْرَةٌ ، فقالت له : اكفف عليك رُمْحَكَ ، وادخل البيتَ حتى تنظـرَ ما الذي أخرجني ، فدخل فإذا بِحَيّةٍ عظيمةٍ منطويةٍ على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمَها به ، ثم خرج فركـزَه فـي الدار ، فاضطربَتْ عليه ، فما يُدرى أيهما كان أسرعَ موتاً . الحيّةَ أم الفتى ؟ . الحديث .

وبالمقابل فإن المرأة إذا عرفتْ أن وليَّها لا يهتمُّ بـها ، ولا يرفعُ بالغيرة رأساً سَهُل عليها التماديَ في الباطل ، والوقوعَ في وحلِ الخطيئة ، ومستنقعات الرذيلة .

والغيرةُ غيرتان :
فغيرةٌ يُحِبُّها الله ، وغيرةٌ يُبغضها الله .
فعن جابر بن عتيك أن نبيَّ الله صلى الله عليه على آله وسلم كانَ يَقُولُ : مِنَ الغَيْرَةِ مَا يُحِبّ الله ، ومِنْهَا مَا يُبْغِضُ الله ، فَأَمّا الّتِي يُحِبّهَا الله عَزّ وَ جَلّ فَالغَيْرَةُ في الرّيبَةِ ، وَأَمّا الّتِي يَبْغَضُهَا الله فالْغَيْرَةُ في غَيْرِ رِيبَةٍ . رواه أحمد وأبو داود والنسائي ، وهو حديث صحيح .

وواجبُ المؤمنُ أن يُحبَّ ما يُحبُّه الله . وأن يكره ما يكرهه الله .

قال ابن القيم : وإنما الممدوح اقترانُ الغيرةِ بالعذر ، فيغارُ في محل الغيرة ، ويعذرُ في موضع العذر ، ومن كان هكذا فهو الممدوحُ حقّـاً .

يروى أن أعرابياً رأى امرأته تنظر إلى الرجال فطلّقها ، فعُوتِب في ذلك ، فقال :
وأتركُ حُبَّها من غـيرِ بغضٍ *** وذاك لكثرةِ الشركـاءِ فيـه
إذا وقع الذباب على طعـامٍ *** رفعـت يدي ونفسي تشتهيـه
وتجتنبُ الأسودُ ورودَ مـاءِ *** إذا كنَّ الكلاب وَلَـغْـنَ فيه

وإذا رأيت ضعيف الغيرة فاعلم أنه أُصيب في مَـقْـتَـل ، وأن ذلك بسبب الذنوب .

قال ابنُ القيّمِ رحمه الله : ومن عقوباتِ الذنوب أنـها تُطفئ من القلب نارَ الغيرة … وأشرفُ الناسِ وأجدُّهم وأعلاهم هِمَّةً أشدَّهم غيْرةً على نفسه وخاصته وعموم الناس ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه على آله وسلم أغيرَ الخلقِ على الأُمّة ، والله سبحانه أشدُّ غيرةً منه .
والمقصودُ أنه كلما اشتدّت ملابستُهُ للذنوب أخرجت من قلبه الغيْرةَ على نفسه وأهله وعموم الناس ، وقد تضعفُ في القلب جداً حتى لا يستقبح بعدَ ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيرِه ، وإذا وصَلَ إلى هذا الحدِّ فقد دخل في باب الهلاك ، وكثيرٌ من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح ، بل يُحسِّنُ الفواحشَ والظُلمَ لغيرِه ، ويُزيِّنهُ له ، ويدعوه إليه ، ويحُثُّه عليه ، ويسعى له في تحصيله ، ولهذا كان الديوثُ أخبثَ خلقِ الله ، والجنـةُ عليه حرام وكذلك محللُ الظلم والبغي لغيره ، ومزيِّـنَـه له .
فانظر ما الذي حَمَلَتْ عليه قِلَّـةُ الغيرة ؟!
وهذا يدُلُّكَ على أن أصل الدينِ الغيرة ، ومن لا غيرة له لا دين له ، فالغيرةُ تحمي القلب فتحمي له الجوارح ، فتدفعُ السوءَ والفواحشَ .
وعدمُ الغيرةِ تُميتُ القلبَ فتموتَ الجوارحُ ، فلا يبقى عندها دفعٌ البتّةَ …
وبين الذنوب وبين قِلّةِ الحياءِ وعدمِ الغيرةِ تلازمٌ من الطرفين ، وكلٌ منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثاً .
انتهى كلامُه رحمه الله ، ولا مزيد عليه .

والمرأة عموما – أختـاً أو بنتاً أو زوجة – تُريد من يغار عليها ، ولكن بضوابط الغيرة التي تقدّمت .
وهذا ليس في نساء المسلمين فحسب ، بل حتى في نساء الكفار !

وهذا مثال واحد أسوقه للعبرة :
هذه امرأة نصرانية تُدعى " شولو " هي امـرأة متزوجة اكتشف زوجهـا أن لهـا علاقـة مع رجل آخر ، ولما طلب منها التوقف لم تكن مستعدة لذلك ، فاقترحت عليه أن يجـد فتاة يستمتع بـها ، فكان يحمـل حقيبته الصغيرة ويترك البيت ، ثم تعلّق على ذلك بقولها : كان شعور الحريـة الذي منحني إياه زوجي جعلني أكرهـه بدرجة أكبر ، الأمر الذي أدّى إلى الطلاق .
( نقلاً عن كتاب أمريكا كما رأيتها للدكتور مختار المسلاتي )

فاحفظوا يا عباد الله أنفسكم وأهليكم ، واعملوا على وقايتهم وأنفسكم من نار قعرها بعيد ، وحرّها شديد .
قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )

وحفظ الفروج والأعراض من ضرورات الشريعة الإسلامية ، ومن كُـلّـيّـاتها .

ومن هنا جاء الثناء على الحافظين لفروجهم في غير موضع من كتاب الله ، ومن سُنة نبيِّـه صلى الله عليه على آله وسلم .






ذُكِـرتْ لي حالة رجل يعلم بوقوع بعض محارمه في الزنا ، وهو ساكتٌ لا يُحرّك ساكناً ، فاقشعرّ جلدي مما ذُكِـر ، فهو والله أمر تقشعر له الأبدان ، ويشيب لِـهولِـه الولدان .

لقد كان أهل الجاهلية الأولى - رغم جاهليتهم – كانوا يرفضون الزنا ، ويرونه عاراً ، ولم يزِد الإسلام ذلك إلا شِدّة ، إلا أن الإسلام تمم مكارم الأخلاق وضبطها بضوابط الشريعة .
فالرجل الجاهلي كانت تحمله الغيرة على دفن ابنته وهي حيّـة ، فجاء الإسلام وأقرّ الغيرة ، وحرّم وأد البنات .

وكانت الغيرة خُلُـقـاً يُمدح به الرجال والنساء .
فيقول الشاعر مُفتخراً بالغيرة :
ألسنا قد عَلِمَتْ معـدٌ *** غداةَ الرّوعِ أجدرُ أن نغارا

وكان ضعف الغيرة علامة على سقوط الرجولة بل على ذهاب الديانة .
ولذا كان ضعيف الغيرة يُذمّ ، حتى قيل :
إذ لا تغارُ على النساءِ قبائلُ *** يوم الحفاظِ ولا يَفُون لجـارِ

وكانت العرب تقول : تموت الحُـرّة ولا تأكل بثدييها
وقال هند بنت عتبة – رضي الله عنها – وقد جاءت تُبايع النبي صلى الله عليه على آله وسلم ، فكان أن أخذ عليها في البيعة ( وألاّ تزنين ) قال : أوَ تزني الحُـــرّة ؟؟؟

ولقد جاء الإسلامُ مُتمِّماً لمكارمِ الأخلاق ، فجعل الغيرةَ من ركائزِ الإيمان ، بل جعلها علامة على قوّة الإيمان .

وفاقِدُها - أجارك الله - هو الدّيوث . الذي يُقرُّ الخبثَ في أهله ، فالجنةُ عليه حرام
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم قال : ثلاثةٌ قد حَرّمَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - عليهم الجنةَ : مُدْمِنُ الخمر ، والعاقّ ، والدّيّوثُ الذي يُقِرُّ في أَهْلِهِ الخُبْثَ . رواه أحمد والنسائي .

والدّيوث قد فسّره النبي صلى الله عليه على آله وسلم في هذا الحديث بأنه الذي يُقرّ الخبث في أهله ، سواء في زوجته أو أخته أو ابنته ونحوهنّ .
والخبث المقصود به الزنا ، وبواعثه ودواعيه وأسبابه من خلوة ونحوها .

قال علي رضي الله عنه : أما تغارون أن تخرج نساؤكم ؟ فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج . رواه الإمام أحمد

تأمل في أحوال الصحابة – رضي الله عنهم – تجد عجباً ، فهم يغارون أشدّ الغيرة ، وكان رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم أشد منهم غيرة .

ففي الصحيحين من حديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عَنْهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه على آله وسلم فَقَالَ : أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ؟ فَوَ الله لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ ، وَالله أَغْيَرُ مِنّي ، مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ الله حَرّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَلاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ الله ، وَلاَ شَخْصَ أَحَبّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ الله ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثُ الله الْمُرْسَلِينَ مُبَشّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَلاَ شَخْصَ أَحَبّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ الله ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الله الْجَنّةَ .

قال ابن القيم رحمه الله : فَجَمَعَ هذا الحديثُ بين الغيرةِ التي أصلُها كراهةُ القبائح وبُغضُها ، وبين محبةِ العُذرِ الذي يوجبُ كمالَ العدلِ والرحمةِ والإحسانِ …
فالغيورُ قد وافقَ ربَّهُ سبحانه في صفةٍ من صِفاتِه ، ومَنْ وافقَ الله في صفه من صفاتِه قادته تلك الصفة إليه بزمامه وأدخلته على ربِّه ، وأدنته منه وقربته من رحمته ، وصيّرته محبوباً له . انتهى .

إذاً فالغيرةُ صفةٌ من صفات الرب جل وعلا ، وصفاته صفاتُ كمالٍ ومدح .
والغَيْرةُ لا يتّصفُ بـها سوى أفذاذ الرّجال الذين قاموا بحقِّ القَوامَـة .

المرأة إذا علِمت من زوجها أو وليّها الغيرة عليها راعت ذلك وجعلته في حُسبانها

هذه أسماءُ بنت أبي بكر تقول : تَزَوّجَني الزّبَير وما له في الأرضِ مِنْ مالٍ ولا مَمْلوكٍ ولا شيءٍ غيرِ ناضحٍ وغير فَرَسِهِ ، فكنتُ أعلِفُ فرسَهُ وأستقي الماءَ وأخرِزُ غَربَهُ وأعجِن ، ولم أكن أُحسِنُ أخبزُ ، وكان يَخبزُ جاراتٌ لي من الأنصار ، وكن نِسوَةَ صِدق ، وكنتُ أنقل النّوَى من أرض الزّبير التي أقطَعَهُ رسولُ صلى الله عليه وسلم على رأسي ، وهي مِنِّي على ثُلثَي فَرسَخ ، فجِئتُ يوماً والنّوَى على رأسي ، فلقيتُ رسولَ صلى الله عليه وسلم ومعهُ نَفَرٌ من الأنصار ، فدَعاني ثم قال : إخْ إخ ، ليحمِلَني خَلفَه ، فاستحيَيتُ أن أسيرَ معَ الرّجال ، وذكرتُ الزّبيرَ وغَيرَتَه ، وكان أغيَرَ الناس ، فَعَرَفَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أني قد استحييتُ فمضى ، فجئتُ الزّبيرَ فقلتُ : لَقيَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النّوَى ، ومعهُ نفرٌ من أصحابه ، فأناخَ لأركبَ ، فاستَحييتُ منه ، وعرَفتُ غَيرتَك ، فقال : والله لَحملُكِ النّوى كان أشدّ عليّ من ركوبِك معَه . قالت : حتى أرسلَ إليّ أبو بكرٍ بعدَ ذلك بخادمٍ تَكفيني سِياسةَ الفَرَس ، فكأنما أعتَقَني . متفق عليه .

وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أنه قال : كان فتى منـّا حديثُ عهد بعُرس قال : فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق ، فكان ذلك الفتى يستأذنُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجعُ إلى أهله ، فاستأذنه يوماً ، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : خذ عليك سلاحك ، فإني أخشى عليك قريظة . فأخذ الرجلُ سلاحَه ، ثم رجع ، فإذا امرأتُهُ بين البابين قائمةً ، فأهوى إليها الرُّمحَ ليطعنها به ، وأصابته غَيْرَةٌ ، فقالت له : اكفف عليك رُمْحَكَ ، وادخل البيتَ حتى تنظـرَ ما الذي أخرجني ، فدخل فإذا بِحَيّةٍ عظيمةٍ منطويةٍ على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمَها به ، ثم خرج فركـزَه فـي الدار ، فاضطربَتْ عليه ، فما يُدرى أيهما كان أسرعَ موتاً . الحيّةَ أم الفتى ؟ . الحديث .

وبالمقابل فإن المرأة إذا عرفتْ أن وليَّها لا يهتمُّ بـها ، ولا يرفعُ بالغيرة رأساً سَهُل عليها التماديَ في الباطل ، والوقوعَ في وحلِ الخطيئة ، ومستنقعات الرذيلة .

والغيرةُ غيرتان :
فغيرةٌ يُحِبُّها الله ، وغيرةٌ يُبغضها الله .
فعن جابر بن عتيك أن نبيَّ الله صلى الله عليه على آله وسلم كانَ يَقُولُ : مِنَ الغَيْرَةِ مَا يُحِبّ الله ، ومِنْهَا مَا يُبْغِضُ الله ، فَأَمّا الّتِي يُحِبّهَا الله عَزّ وَ جَلّ فَالغَيْرَةُ في الرّيبَةِ ، وَأَمّا الّتِي يَبْغَضُهَا الله فالْغَيْرَةُ في غَيْرِ رِيبَةٍ . رواه أحمد وأبو داود والنسائي ، وهو حديث صحيح .

وواجبُ المؤمنُ أن يُحبَّ ما يُحبُّه الله . وأن يكره ما يكرهه الله .

قال ابن القيم : وإنما الممدوح اقترانُ الغيرةِ بالعذر ، فيغارُ في محل الغيرة ، ويعذرُ في موضع العذر ، ومن كان هكذا فهو الممدوحُ حقّـاً .

يروى أن أعرابياً رأى امرأته تنظر إلى الرجال فطلّقها ، فعُوتِب في ذلك ، فقال :
وأتركُ حُبَّها من غـيرِ بغضٍ *** وذاك لكثرةِ الشركـاءِ فيـه
إذا وقع الذباب على طعـامٍ *** رفعـت يدي ونفسي تشتهيـه
وتجتنبُ الأسودُ ورودَ مـاءِ *** إذا كنَّ الكلاب وَلَـغْـنَ فيه

وإذا رأيت ضعيف الغيرة فاعلم أنه أُصيب في مَـقْـتَـل ، وأن ذلك بسبب الذنوب .

قال ابنُ القيّمِ رحمه الله : ومن عقوباتِ الذنوب أنـها تُطفئ من القلب نارَ الغيرة … وأشرفُ الناسِ وأجدُّهم وأعلاهم هِمَّةً أشدَّهم غيْرةً على نفسه وخاصته وعموم الناس ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه على آله وسلم أغيرَ الخلقِ على الأُمّة ، والله سبحانه أشدُّ غيرةً منه .
والمقصودُ أنه كلما اشتدّت ملابستُهُ للذنوب أخرجت من قلبه الغيْرةَ على نفسه وأهله وعموم الناس ، وقد تضعفُ في القلب جداً حتى لا يستقبح بعدَ ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيرِه ، وإذا وصَلَ إلى هذا الحدِّ فقد دخل في باب الهلاك ، وكثيرٌ من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح ، بل يُحسِّنُ الفواحشَ والظُلمَ لغيرِه ، ويُزيِّنهُ له ، ويدعوه إليه ، ويحُثُّه عليه ، ويسعى له في تحصيله ، ولهذا كان الديوثُ أخبثَ خلقِ الله ، والجنـةُ عليه حرام وكذلك محللُ الظلم والبغي لغيره ، ومزيِّـنَـه له .
فانظر ما الذي حَمَلَتْ عليه قِلَّـةُ الغيرة ؟!
وهذا يدُلُّكَ على أن أصل الدينِ الغيرة ، ومن لا غيرة له لا دين له ، فالغيرةُ تحمي القلب فتحمي له الجوارح ، فتدفعُ السوءَ والفواحشَ .
وعدمُ الغيرةِ تُميتُ القلبَ فتموتَ الجوارحُ ، فلا يبقى عندها دفعٌ البتّةَ …
وبين الذنوب وبين قِلّةِ الحياءِ وعدمِ الغيرةِ تلازمٌ من الطرفين ، وكلٌ منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثاً .
انتهى كلامُه رحمه الله ، ولا مزيد عليه .

والمرأة عموما – أختـاً أو بنتاً أو زوجة – تُريد من يغار عليها ، ولكن بضوابط الغيرة التي تقدّمت .
وهذا ليس في نساء المسلمين فحسب ، بل حتى في نساء الكفار !

وهذا مثال واحد أسوقه للعبرة :
هذه امرأة نصرانية تُدعى " شولو " هي امـرأة متزوجة اكتشف زوجهـا أن لهـا علاقـة مع رجل آخر ، ولما طلب منها التوقف لم تكن مستعدة لذلك ، فاقترحت عليه أن يجـد فتاة يستمتع بـها ، فكان يحمـل حقيبته الصغيرة ويترك البيت ، ثم تعلّق على ذلك بقولها : كان شعور الحريـة الذي منحني إياه زوجي جعلني أكرهـه بدرجة أكبر ، الأمر الذي أدّى إلى الطلاق .
( نقلاً عن كتاب أمريكا كما رأيتها للدكتور مختار المسلاتي )

فاحفظوا يا عباد الله أنفسكم وأهليكم ، واعملوا على وقايتهم وأنفسكم من نار قعرها بعيد ، وحرّها شديد .
قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )

وحفظ الفروج والأعراض من ضرورات الشريعة الإسلامية ، ومن كُـلّـيّـاتها .

ومن هنا جاء الثناء على الحافظين لفروجهم في غير موضع من كتاب الله ، ومن سُنة نبيِّـه صلى الله عليه على آله وسلم .

الاثنين، 28 يونيو 2010

ايران والنووي

لماذا لم يتم ضرب المفاعلات النووية الإيرانية ؟ قصة المفاعلات النووية الإيرانية




شبكة المنصور
الدكتور عبد الإله الراوي




قبل أن نتكلم عن موضوع بحثنا نرى من واجبنا توضيح موضوع سوء تفسير موقفنا من قرار مجلس الأمن فيما يتعلق بضرب المفاعل النووي العراقي والذي ذكرناه في مقالنا ( الدكتور عبدالإله الراوي : لماذا تم تدمير المفاعل النووي العراقي ولم تقصف المفاعلات الإيرانية ؟ شبكة البصرة . 30/4/10 ) فنقول :



أولا - المراسلات التي تمت بيني وبين الأستاذ صلاح عمر العلي :- مباشرة بعد نشر مقالنا المذكور وصلتنا رسالة من الأستاذ صلاح عمر العلي تضمنت الإشادة بالمقال ثم ذكر : غير إنني لاحظت خلال حديثك عن الجهد العراقي الذي بذل داخل أروقة الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن الدولي تحديدا بأعقاب ضرب المفاعل النووي وتدميره شيئا تنقصه الدقة والصواب وكم كان بودي لو حاولت الاتصال بي قبل إكمال مقالتك هذه مستوضحا أو مستفسرا عن تفصيل ما جرى لزودتك بذلك بكل أمانة وصدق ولجنبتك الوقوع بأي خطأ. حيث ذكرت في متن المقالة المذكورة ما يلي:



" وبعد فترة قصيرة من الاجتماع المذكور كانت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة تنسق مع وزير الخارجية العراقي سعدون حمادي والسفير العراقي لدى الأمم المتحدة ... الخ ." ثم ذكر ما نشر في مقاله الذي سنشير له .



وقد أجبته برسالتي المؤرخة في 2/5/10 والتي ذكرت فيها :

1- إن تركيزي ، عندما كتبت هذه الفقرة ، كان منصب على الموقف الأمريكي ولذا ذكرت مباشرة " فالرئيس الأمريكي صرح في 16/6/1981 بأنه يُقدّر مدى القلق الذي كانت تشعر به ( إسرائيل ) تجاه المفاعل النووي العراقي ، وأن ( إسرائيل ) تصرفت هذا التصرف ( الرائع!! ) في إطار الدفاع عن النفس وأن أمريكا ستستخدم حق (الفيتو) ضد أي قرارٍ يطالب بتوقيع عقوبات على ( إسرائيل) !!. "

ولم يدر في ذهني اتهام المسؤولين العراقيين حول كون القرار " ضعيفاً وهزيلاً ومخجلاً ... " مع تأكيدي بأن السبب هو احتمال استعمال أمريكا لحق الفيتو .
2- إذا سمحت سأشير لرسالتك هذه في مقدمة مقالي المقبل الذي سيناقش سبب عدم ضرب المفاعلات الإيرانية والذي آمل أن أنهيه خلال شهر على أقل تقدير .



وطبعا سأذكر بصورة موجزة بأن مشروع القرار المقدم من قبل الجانب العراقي كان قويا ولكن تم تعديله بناء على الضغوط الأمريكية .

علما بأنه ضمن الظروف الحالية لا أرى من اللائق التهجم على المرحوم سعدون حمادي .



وكان جواب الأخ العلي : من واجبي أن اطمانك بأنني لا أهدف من وراء رسالتي السابقة الإساءة للمرحوم سعدون حمادي مطلقا فهو صديق ورفيق ووزير خارجية يعد من بين وزرا ء الخارجية العرب القلائل الناجحين والمتميزين في أداء مهماتهم الرسمية إلا أن لدي حساسية مفرطة فيما يتعلق بمثل هذه الإحداث ،مما اقتضى التوضيح ووضع الأمور في نصابها الحقيقي أما اقتراحك القاضي بعرض رسالتي في مقدمة الجزء الثاني من مقالتك المذكورة فلا مانع لدي ولكن ربما يقتضيني الواجب أن أعيد النظر في بعض تعابيرها لغرض عدم السماح للقراء الكرام في استغلالها وتفسيرها على غير ما نريد .



وآخر رسالة كتبتها له تضمنت : شكرا جزيلا على رسالتك وأنا واثق بأنك لا تريد الإساءة للمرحوم سعدون حمادي .

علما بأنه اتصل بي الأخ وجدي مردان وأرسل لي نسخة من كتاب ثم اتصلت به هاتفيا وأوضح لي بأنك زودته بنسخة من الرسالة لكونه كان يعمل معكم في تلك الفترة .



على كل أرجو أن تعلم بأني سوف لا أذكر كل الرسالة ولكني سأختار بعض الفقرات حول جهودكم ثم أقول بأنه بسبب ضغط الولايات المتحدة وخشية استعمالها ( الفيتو ) فقد تم تعديل صيغة القرار .



إذا أحببت بإمكاني الاتصال بكم هاتفيا إذا زودتني برقم هاتف ويفضل أن يكون أرضي وليس نقال لكون الاتصال بالأرضي في أوربا مجانا

مع الاشتراك بالحاسوب .



رقم هاتفي هو .. علما بأني أعمل ليلا ومتأخرا جدا .

والظاهر أن الأستاذ صلاح عمر العلي لم يكن مقتنعا بنشر فقرات من رسالته ولذا قام بنشر الرسالة كاملة في مقاله ( تعقيبا على ما ورد في مقالة الدكتور عبد الاله الراوي . شبكة البصرة . 5/5/10 )



ثانيا - التعليقات على مقال الأستاذ صلاح :- تعقيبا على مقال الأستاذ العلي قامت شبكة البصرة بنشر مقالين هما (محمد رصاص :صلاح عمر العلي الثوري اللا ثوري . شبكة البصرة . 7/5/10 ) و ( وائل علواني : حين تتحدث براقش - صلاح عمر العلي نموذجا - شبكة البصرة . 7/5/10 ) ولا نرى أن من واجبنا التعليق على هذين المقالين .



ثالثا – عرض وجهة نظرنا بصورة سريعة : لقد ذكرنا بأن الأستاذ صلاح أوضح في رسالته الثانية لنا بمدى احترامه وتقديره للمرحوم سعدون حمادي وبأنه لم يكن لديه أي قصد سيء ولكنه للأسف استعجل بنشر المقال دون إجراء أي تعديل ونعتقد بأن هذا لا يعود لسوء النية كما فسره بعض الأخوة في المقالين المشار لهما . وأنا لا أذكر هذا من باب الدفاع عن أحد ولكن انطلاقا من الرسالة التي وصلتني من الأخ صلاح وثبتها أعلاه .



أما بالنسبة لرأينا فيما يتعلق بقرار مجلس الأمن فنقول :

1- نعتقد بأن كل من الأستاذ صلاح والمرحوم سعدون حمادي كانا مخلصين في موقفيهما ، مع اختلاف وجهتي النظر ، ووفق قناعتنا فإن وزير خارجية العراق السابق لم يتصرف من تلقاء نفسه بل تنفيذا لتوصيات القيادة العليا في العراق والتي كانت تفضل إصدار قرار يدين العدوان مع ذكر الفقرات التي وردت في القرار بدلا من استعمال حق النقض من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ، وهذا ما تم .



2- بالنسبة لفحوى القرار : نحن مقتنعون بأنه ضعيف ولكن كما ذكرنا يعتبر أقصى ما يمكن أن توافق عليه أمريكا ولذا يعتبر نصرا للعراق . أما لماذا هو ضعيف وبعيدا عما يطمح إليه :-



أ- كان المفروض أن يقوم مجلس الأمن بتشكيل لجنة لتقدير الأضرار التي لحقت بالعراق وإرغام الكيان الصهيوني على دفع التعويضات .



ب- طالب مجلس الأمن الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) " بوضع منشآتها النووية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية .. " ولكن هذه الفقرة بقيت حبر على ورق ، والسبب يعود لكون المجلس المذكور لم يشكل لجنة لمتابعة تنفيذ فقرات هذا القرار كما أنه لم يقرر فرض عقوبات رادعة على الكيان الصهيوني في حالة رفضه الانصياع لما تطلبه القرار . ونكتفي بهذا القدر لنعود إلى موضوع بحثنا فنقول :-



لقد ذكرنا في مقالنا المشار له أعلاه بأن الكيان الصهيوني قام بتدمير المفاعل النووي العراقي لحماية إيران من هجوم نووي عراقي و لترك الحرية لإيران لتطوير برنامجها النووي لكون الكيان المسخ لا يريد أن يحقق العراق انتصارا على حليفته إيران في الحرب التي كانت دائرة في ذلك الوقت ، أي أثناء الحرب العراقية الإيرانية .



كما يجمل البروفيسور " ديفيد مناشري " من جامعة تل أبيب والخبير الأول في الشؤون الإيرانية ( بإسرائيل ) مشهد الميل ( الإسرائيلي ) لإيران بالقول : طوال فترة الثمانينات لم يقل احد في ( إسرائيل ) شيئا عن وجود خطر إيراني ، لم يتفوه احد حتى بهذه الكلمة . كان الهدف ( الإسرائيلي ) حتمية هزيمة جيش صدام حسين وبالأحرى الخلاص من جيش عربي يزيد حجمه بمقدار أربعة أضعاف عن حجم الجيش ( الإسرائيلي.) (عرض وتحليل: إميل أمين : التعاملات بين ( إسرائيل ) وإيران والولايات المتحدة.. حلف المصالح المشتركة . تأليف: تريتا بارزي . شبكة البصرة . 12/11/08 )



إضافة لذلك فإن فلسفة كسنجر مبنية على : " نحن لسنا ضد امتلاك دولة ما سلاحا نوويا، لكننا ضد أن تملكه دولة غير مسؤولة "، وهي الحجة التي تسلح بها جيمس بيكر عندما سأله وزير خارجية العراق في كانون الثاني ( يناير ) 1990 : لماذا أمريكا ليست ضد امتلاك ( إسرائيل ) للسلاح النووي . ( همام عبدالخالق عبدالغفور و عبدالحليم ابراهيم الحجاج : ( استراتيجية ) ( البرنامج ) النووي في العراق في إطار سياسات العلم و ( التكنولوجيا ) . مركز دراسات الوحدة العربية . بيروت . 2009. ص 193 )



ويعلق أحد الكتاب على ذلك بقوله : هي مقولة خطيرة لأنها مخالفة لمعاهدة(الحد من انتشار الأسلحة النووية) هذه الفلسفة معمول بها حتى الآن سواء من أمريكا أو الدول الحائزة على الأسلحة النووية، هذه الفلسفة شملت ( إسرائيل ) والباكستان حيث أن الهند قد امتلكت السلاح النووي قبل هذه الفلسفة وهي جميعا خاضعة لتعريف الدول المسؤولة .. ) (سرور ميرزا محمود: المنطقة العربية بين خطرين كلاهما مر: الخطر النووي ( الإسرائيلي ) القائم ولخطر النووي الإيراني القادم . شبكة البصرة . 23/4/10)



ولا ندري كيف يمكن تكييف الدولة كونها مسؤولة أم لا ؟ وما هو المعيار لذلك ؟ وكيف تم اعتبار الكيان الصهيوني دولة مسؤولة والعراق دولة غير مسؤولة ؟

وهل ممكن اعتبار إيران التي يحكمها نظام الملالي المتخلف والداعم لكل منظمات الإرهاب ومنها القاعدة دولة مسؤولة !! ؟



كما أشرنا في نفس المقال إلى أن عقيدة بيغن ترى بأن (إسرائيل) مضطرة لمنع أي تسلح نووي في المنطقة، لم تكن هذه العقيدة هي مجرد شعار إنما جاءت نتيجة من البحث والتطوير شارك فيها العقول اليهودية الموجودة في الغرب والشرق .



إن ما حذر منه البروفسور اليهودي إسرائيل شاحاك في كتابه (أسرار مكشوفة.. سياسات إسرائيل النووية والخارجية) قد تجسد واقعا مؤلما فقد قال في الصفحة 56 من الكتاب:



(أشعر بأن من الواجب تذكير القراء من غير ( الإسرائيليين ) أنه في حين أن الاستراتيجيات ( الإسرائيلية ) إقليمية في توجهها فإن اهتمامها بالفلسطينيين ثانوي.. فالحقيقة أن قمع الفلسطينيين لا يهم, لأن هم الاستراتيجية ( الإسرائيلية ) في نهاية الأمر هو فرض سيطرتها على كامل الشرق الأوسط من خلال انفرادها بسياستها النووية). وقد استغلت ( إسرائيل ) للهيمنة وتطبيق سياستها التي ذكرها البروفسور اليهودي الحرب العراقية الإيرانية ونقاط ضعف خطيرة في حماية المفاعل العراقي واستثمرت المعلومات والصور التي تلقتها من وكالة الاستخبارات الأمريكية AIC , وهي الوكالة التي تختص بالعمل على تحقيق السياسة الأمريكية في اعتباراتها القائمة على أمن ( إسرائيل ) ( د . سمير محمود قديح : قصة ضرب المفاعل العراقي كما رواها الموساد من هو العالم العراقي الذي نجح الموساد في تجنيده? كيف تتبع الموساد خطوات المسؤولين عن البرنامج النووي العراقي? منتديات موقع صفحة العرب . 11/4/2007 )



بعد هذه المقدمة سوف نقوم بعرض بحثنا قصة المفاعل النووي الإيراني .



سوف نتكلم بصورة موجزة عن العقود والمفاعلات الإيرانية في زمن الشاه ومنذ ما يطلق عليها الثورة الإيرانية أو بعد وصول خميني للسلطة .



أولا : المفاعلات النووية الإيرانية في زمن الشاه .



لقد بدأت إيران ببذل الجهد للحصول على الطاقة النووية منذ عام 1957 عندما وقع شاه إيران مع ايزنهاور اتفاقية تقوم بموجبها أمريكا بمساعدة إيران للحصول على الطاقة النووية السلمية .



وفي عام 1960 قامت أمريكا بإهداء إيران مفاعلاً نووياً للأبحاث بقدرة 5 ميكاوات كان مخصصاً للعراق عندما كان وطننا مركزاً لحلف بغداد ولكن بسبب قيام ثوررة14 تموز وانسحاب العراق من الحلف المذكور ، تم منحه لإيران التي قامت بنائه في جامعة طهران وابتدأ العمل في عام 1967.



جدير بالذكر أن إيران قد وقعت على معاهدة الحد من إنتاج وتجربة الأسلحة النووية في الأول من حزيران ( يوليو ) 1968م ، وأصبح التوقيع نافذاً في الخامس من آذار ( مارس ) عام 1970 . وقد جاء في نص القرار الذي وقعته إيران في الفقرة الرابعة منه أن معاهدة الحد من إنتاج الأسلحة النووية وتجربتها تعترف بما يلي : بأن لإيران الحق في تطوير وإنتاج واستعمال الطاقة النووية للأغراض السلمية دون تمييز يذكر ، وامتلاك المواد والأجهزة والمعلومات التكنولوجية والعلمية .



منذ 1970 كان الشاه يعمل على الحصول على السلاح النووي ولذا ففي عام 1973 قام بعقد اتفاقات مع الولايات المتحدة ثم مع فرنسا وألمانيا لبناء مفاعلات نووية ، كما قام بشراء 25% من أسهم شركة اوروديف لتخصيب اليورانيوم – وتعود ملكية هذه الشركة لكل من فرنسا وبلجيكا وأسبانيا وايطاليا – وتضمن الاتفاق بأن تطلع إيران على تطوير التكنولوجيا الخاصة بتخصيب اليورانيوم . ( راي تاكيه : إيران الخفية . الشطرنج السياسي السري بجمهورية ولاية الفقيه . عرض متعليق : مجدي كامل . دار الكتاب العربي . دمشق .2007 . ص 90 وما بعدها و ايريك لوران : بوش وإيران مشار له . ص 86 وما بعدها . و سرور ميرزا محمود : المنطقة العربية بين خطرين كلاهما مر .. مشار له )



تطورت العلاقة الإيرانية الأمريكية النووية بعد حرب أكتوبر عام 1973م ، حين امتنع الشاه من أن يدخل لعبة استعمال البترول كأداة ضغط على الولايات المتحدة ، وتمكنت إيران من ضخ بترولها إلى الأسواق العالمية وبكميات كبيرة سدت الاحتياج المطلوب في وقته . ولهذا مع عام 1973م كانت الولايات المتحدة الأمريكية تشجع على تطوير المشروع النووي الإيراني السلمي بحجة حاجة إيران إلى طاقة أخرى غير الطاقة النفطية .



وفي عام 1974، قام شاه إيران بتأسيس منظمة الطاقة النووية التي كان هدفها تطوير الطاقة النووية المدنية لغرض الحصول على أكبر كمية من النفط للتصدير .

في عام 1974 أبرم الشاه مع الشركة الألمانية ( كرافت وورك يونين ) عقدا لبناء مفاعلين لإنتاج الطاقة في منطقة بوشهر بقدره 1200 ميغاواط .



ومع عام 1975م ، بدأ المشرع النووي الإيراني السلمي يأخذ طريقه لإنتاج الطاقة الكهربائية ، حين أصدر معهد ستانفورد للبحوث التابع للحكومة الأمريكية تقريراً جاء في مضمونة : 'على الولايات المتحدة الأمريكية أن تساعد إيران على بناء 5-7 مفاعل نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية' ، وبالتالي خلال ثلاثة أشهر من هذا التقرير قامت الشركات الأمريكية ببناء تلك المفاعلات في أماكن متفرقة من إيران .



كان طموح شاه إيران أبعد مما أعلنه معهد ستانفورد الأمريكي ، وشده طموحه لبناء 23 مفاعلاً نووياً لإنتاج الطاقة الكهربائية ، وبمدة قصيرة جداً وعلى مرأى ومسمع من الولايات المتحدة الأمريكية .



بالإضافة إلى العقود التي وقعها الشاه مع الشركات الغربية ، كان هناك عقدان آخران وقعهما الشاه قبل سقوطه مع الصين لبناء مفاعلين نوويين في منطقة داركوفن قرب نهر كارون ، الذين تضمنا التعاون التقني لتدريب 800 مهندس وفني إيراني لإدارة وتشغيل مفاعل بوشهر عند الانتهاء منه لكنهما لم يريا النور قط لوصول خميني للسلطة . كما تعاقد الشاه عام 1974 مع الحكومة الفرنسية لبناء مفاعلين نوويين، قدرة كلا منهما950 ميغاواط ، إلا أن هذين المفاعلين لم يريا النور أيضا .



كانت الولايات المتحدة الأمريكية تترقب تطور العلاقات النووية الإيرانية السلمية عن كثب ، وتحاول أن تتدخل بصورة سريعة لإنهاء أية نية لتطوير السلاح النووي ، فعندما واجهت الولايات المتحدة الأمريكية تحديات الشاه بعقد اتفاقيات مع الهند وفرنسا كحقيقة تؤدي إلى الاستغناء عن خبرة الولايات المتحدة الأمريكية نووياً ، أرسلت في أكتوبر عام 1977 ممثل الحكومة الأمريكية في وزارة الخارجية سدني سوبر للتفاوض مع الشاه بخصوص البرنامج النووي الإيراني ، وتم الاتفاق على إلغاء كل المعاهدات القائمة بين إيران والدول الأخرى ، شرط أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد إيران بثمانية مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية . وقد تم التوقيع على شراء هذه المفاعلات رسمياً بين البلدين في العاشر من يوليو عام 1978م . وقد كان الاتفاق شاملاً ويحتوي على تزويد إيران بكل ما يحتاجه المفاعل ، بما فيه الوقود النووي وكيفية تطويره ومواده الأساسية . ولكن هذا العقد لم ير النور لوصول خميني للسلطة وقيام مهدي بزركان بإلغاء العقد عام 1979 . ولكن مع سقوط الشاه كان مفاعل (بوشهر-1) قد أنجز العمل فيه بما يقارب 90% في حين لم ينجز من مفاعل (بوشهر-2) إلا 50% . ( إشراف المستشار أ.د رمزي سلامة .إعداد : حمدان مجزع الشمري. الملف النووي الإيراني : إلى أين ؟ مراحل تطور الملف النووي الإيراني : مجلس الأمة الكويتي . تشرين الثاني ( نوفمبر ) 2007م . على الرابط

http://www.majlesalommah.net/clt/run.asp?id=1175 )



أما بالنسبة للتعاون الفرنسي – الإيراني في هذا المجال فقد بدأ منذ عام 1956 ولم ينقطع إلا عام 1979 ، وإن فرنسا قامت بتدريب وتأهيل الخبراء الإيرانيين في مجال الفيزياء النووية ، كما قامت بإرسال خبراء نوويين فرنسيين إلى طهران .

وفي عام 1974 قام الشاه بتقديم قرض إلى فرنسا بقيمة مليار دولار لغرض قيام تعاون وتنسيق مع هيئة الطاقة الذرية الفرنسية .



هل كان هدف الشاه الحصول على القنبلة الذرية ؟ يذكر نفس الكاتب الفرنسي بأن الشاه أعلن عام 1974 لوكالة الطاقة الذرية بأن لديه هدف آخر ، الذي يبقى بالنسبة له سريا وهو تطوير السلاح الذري لغرض فرض سيطرة إيران على المنطقة ، رغم توقيع بلده على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة الذرية .



في ذلك الوقت ، هذا الهدف العسكري المعلن بصورة واضحة من قبل الشاه ( بطريقة شخصية ) لم يصدم أي إنسان في الغرب وبالأخص الولايات المتحدة ، ريشارد نيكسون في البيت الأبيض وهنري كيسنجر سكرتير الدولة كانا قد اختارا إيران لتكون ( شرطي الخليج ) . هذا الشرطي المسلح الذي سيتمتع بثقل كبير إزاء جيرانه . (( إريك لوران : بوش وإيران .. نفس الصفحات )



وطبعا المقصود بجيرانه هم العرب ولا يشمل الكيان الصهيوني لكون الشاه كان حليفا لهذا الكيان المسخ .



ثانيا : تطور القدرة النووية الإيرانية بعد وصول خميني للسلطة .



عند مجيء خميني لم يتوقف البرنامج كليا بل أبطأ عمله لمدة سنتين جرى فيه سجن وهروب بعض الكوادر الموالية للشاه واعدم البعض إلا أن تصاعد العمل بدأ في بداية 1982 عندما أرسل الدكتور علي سلطانية مع باحثين في الممثلية الإيرانية في فينا بعد أن علم الإيرانيون بوجود مستشارية علمية للعراق هناك، إن سلطانية هو الآن الممثل الدائم لإيران هناك منذ سنتين بعد أن عمل في منشأة نتانز في التسعينات.



خلال الحرب الإيرانية – العراقية كان الإيرانيون يعملون بشكل هادئ وفق مراجعة شاملة من خلال تجميع وإعادة هيكلة البرامج وإعادة الكوادر القديمة واستقطاب العائدين من البعثات التي أرسلها الشاه وتحفيز العاملين برواتب مغرية مع تنشيط في حضور المؤتمرات العلمية التي لها علاقة بالنشاط النووي.



ومما يذكر أنه خلال الحرب العراقية الإيرانية التي دامت أمداً طويلاً قصفت الطائرات العراقية مفاعل (وبشهر-1) ست مرات، وعلى وجه التحديد في 13 آذار ( مارس ) 1984م، شباط ( فبراير) 1985، 11 آذار ( مارس ) 1985، 17 حزيران ( يوليو ) 1986، 2 تشرين الثاني ( نوفمبر ) 1987 و 13 تشرين الثاني ( نوفمبر ) 1987م. وخلال هذا القصف المركز والمستمر دمر مفاعل بوشهر-1 بالكامل وسوي بالأرض تماماً .



لقد خلقت الحرب العراقية الإيرانية دماراً كبيراً في البنى التحتية الإيرانية ، فلذا كان من أول أولويات الدولة الإيرانية بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية البحث عن العقود السابقة مع الدول الأوربية لبناء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية . وكانت حكومة رفسنجاني ترى أن توليد الطاقة الكهربائية يعد أساساً في إعادة تشغيل المعامل التي أغلقت منذ زمن الشاه بعد تحسينها لإعادة بناء إيران .



( اللف النووي الإيراني : إلى أين ؟ مشار له و سرور ميرزا محمود : المنطقة العربية بين خطرين كلاهما مر .. مشار له. )



بعد هذه المقدمة سنعرض دور بعض الدول بتطوير المفاعلات النووية الإيرانية .



1- التعاون النووي مع باكستان : في نهاية عام 1975 وقعت باكستان مع إيران أول اتفاقية سرية للتعاون النووي . إن امتلاك باكستان لأول ( قنبلة إسلامية ) خلب لب الإيرانيين . وإن التصريحات المعلنة من فبل خميني ، والتي تتضمن بأن أسلحة الدمار الشامل لا تنسجم مع مبادئ الإسلام كان هدفها إخفاء حقيقة التوجه الإيراني وما هي إلا لعبة تدل على قلة الحياء .



آية الله رفسنجاني ، الذي يصفة الكثير من الغربيين بكونه معتدل ، كان في قلب المفاوضات مع باكستان . وإن مندوبيه التقوا ، مرات عديدة في أوربا، مع مساعدين لعبدالقادر خان في سبيل تقديم قوائم تتضمن الاحتياجات الإيرانية .



رفسنجاني الذي أصبح رئيس الجمهورية ، بعد أربع سنوات ، ظهر بأنه كان يريد أن يطبق المبدأ الذي يتبناه رئيس البرنامج النووي الإيراني . " نحن ، المسلمين ، علينا أن نصبح قوة فاعلة ومساوية لأي دولة عضمى "



في 1987، قامت إيران بطلب تزويدها بألفي جهاز طرد ( سنتريفوجوز ) جديدة من نوع ب-1 . عند وصول الشحنة اكتشف الخبراء الإيرانيون بأن خان باعهم أجهزة طرد التي سبق واستعملها في مركزه للأبحاث واتي قام باستبدالها بنوع ب.-2 الأكثر تطورا .

نتيجة خيبة أملهم هذه فإن الإيرانيين اتجهوا نحو الوسطاء الأوربيين لمحاولة الحصول على الأجهزة والمواد التي يحتاجونها ولكن دون جدوى .



في بداية عام 1991 تناسى الإيرانيون الضغينة على باكستان ، وقاموا مجددا بلقاء المسؤولين الباكستانيين . ولكن هذه المرة كانت اللقاءات بصورة رسمية ، حيث قام مسؤولون إيرانيون مكلفين من قبل الرئيس رفسنجاني بالذهاب إلى إسلام آباد عارضين أكثر من 5 مليارات دولار لقاء الحصول على تقنيات خان .



إن العدوان على العراق بعد دخوله الكويت أدى إلى القضاء على القوة الوحيدة في المنطقة التي من الممكن أن تهدد إيران ولكن التواجد المكثف للقوات الأمريكية في المنطقة دفع المسؤولين الإيرانيين لمحاولة الحصول على السلاح الذري ليؤمنوا عدم تعرضهم لأي هجوم .



في شهري آيار ( مايو ) وحزيران ( يوليو ) من نفس العام ، قام خان بزيارة طهران والتقى بهاشمي رفسنجاني وبالمسؤولين الكبار للبرنامج النووي الإيراني .

بعد عدة أشهر قام رئيس أركان الجيش الباكستاني العميد إسلام بيك بزيارة طهران وأقام عدة أيام في العاصمة الإيرانية مؤكدا قيامهم بتصدير التقنية النووية للجمهورية الإسلامية ، علما بأن بيك من الإسلاميين المتشددين والمعادين لأمريكا والذي يكن تعاطف قوي للنظام الإيراني ومقتنع بأن العالم الإسلامي ضحية دائمة لتآمر الصهيونية .



إضافة لذلك فإن هذا العميد صرح لأحد المسؤولين الأمريكيين ، الذي كان في زيارة لباكستان ، بما يلي " نحن مستمرون بتزويد إيران بالتقنية النووية ، حتى لو قامت الولايات المتحدة بقطع المساعدات عنا ".



وفق قناعتنا الشخصية فإن هذا القائد العسكري كان منخدعا بشعارات ملالي إيران بكونهم ضد أمريكا والكيان الصهيوني وهو يجهل الحقيقة بأن تلك الشعارات ما هي إلا وسيلة لخداع العرب والمسلمين وإن الحقيقة عكس ذلك كما سنرى لاحقا .



في ذلك الوقت أصبح خان شخصية أسطورية بالنسبة للرأي العام الباكستاني ،والذي يملك في مركزه في كاهوتا 10000 جهاز طرد تنتج اليورانيوم المخصب بدرجة عالية لصناعة ترسانة نووية .



ووفق مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية ، فقد تم من 1994 إلى 1999 ، ثلاثة عشر اجتماع عمل بين مسؤولين إيرانيين وممثلين عن شبكة خان ، أغلبها تمت في دبي . وإن إيران استلمت عام 1995 شحنة مهمة من باكستان .



وفي عام 2003 فإن أحد مفتشي الوكالة المذكورة ، اكتشف في إيران آثار يورانيوم مخصب بدرجة عالية ، وطبعا فإن الإيرانيين برروا وجود هذه الآثار بأنها جاءت مع أجهزة مستوردة من دول أخرى !! .



وبعد هذه الأحداث وبالأخص بعد الاعترافات الليبية فإن خان وضع من قبل الرئيس الباكستاني تحت الإقامة الجبرية ، وتم الاتفاق بين بوش والرئيس الباكستاني بان تترك للرئيس الباكستاني حرية التصرف ، فيما يتعلق بخان ، على أن يقوم هذا الأخير بكشف تفاصيل تعاونه مع إيران ، ويقال بأنه قام بذلك مترددا . ( اريك لوران . بوش وإيران .. مشار له . ص 131 وما بعدها )



كما أن دوائر المخابرات الغربية اعتقدت أن باكستان التي امتلكت السلاح النووي سنة 1986 زودت إيران بمساعدات نووية قيمة منها تدريب العلماء الإيرانيين في مجال استخلاص البلوتونيوم وفي أبحاث التخصيب باستخدام الليزرات وأن التدريب جرى في مختبرات الدكتور عبدالقدير خان في (كاهوتا) حيث جرت أبحاث التخصيب وتركيب القنبلة. ( مراحل تطور ..مجلس الأمة الكويتي . مشار له )



2- دور بعض الدول الأخرى لتطوير الأنشطة النووية الإيرانية .



ولعل أكثر اتفاقيات التعاون النووي أثراً هما الاتفاقيتان اللتان أبرمتهما إيران مع كل من الصين وباكستان (1987و1990) واشتملتا على تدريب العاملين وتبادل الخبرات . وفي إطار اتفاقية الصين اشتمل العقد على تزويد إيران بمفاعل نيوترون (MNSR) بقدرة 27 كيلوواط ومفاعلين نوع 'كونيشان' قدرة 300 كيلوواط .

خلال هذه الفترة أظهر الاتحاد السوفيتي ، وهو حليف تقليدي للعراق ، رغبة في التعاون نووياً مع إيران . وفي سنة 1990 بدأ مباحثات معها لإكمال مفاعلي بوشهر وتزويدها بمزيد من المفاعلات .



وقد أذاعت الحكومة الروسية في يناير 1995 رسمياً أنها ستكمل بناء وتأهيل مفاعلي بوشهر وبناء ثلاثة مفاعلات أخرى في الموقع نفسه . ومنذ هذا التاريخ والولايات المتحدة تبدي الاعتراض تلو الآخر حول الصفقة الروسية وبأنها ستزود الإيرانيين بالمعرفة التقنية لتعضيد المشروع ألتسليحي . وعلى الرغم من بروز عدة إشكالات تقنية سببها عدم موائمة المعدات الألمانية مع مثيلاتها الروسية ومحاولات أمريكا المتعددة لإجهاض الصفقة خلال فترة غورباتشوف ، إلا أن العمل في المفاعلين استمر وقاربا على الاكتمال .



على الجانب الآخر نجحت أمريكا في تعطيل عدة اتفاقيات نووية مع إيران منها الاتفاقية التي أبرمت مع الأرجنتين لتزويد إيران بمفاعل أبحاث لإنتاج البلوتونيوم ومفاعل قدرة إضافية لتقنية فصل وتحويل اليورانيوم ، ومع روسيا لتصنيع الماء الثقيل .



وفي عام 1995 بدا واضحاً ، من وجهة نظر أمريكية ، إن إيران ستحاول الحصول على أسلحة نووية بطريقة أخرى وذلك من خلال شراء مواد مزدوجة الاستخدام من جهات ومصادر غربية . وازداد الخوف من احتمال تصنيع وسائل محلية (كالتخصيب بالطرد المركزي) لإنتاج وقود القنبلة . ونتيجة لهذه التخوفات فرضت أمريكا حظراً شاملاً على إيران وضغطت على روسيا وغيرها من المجهزين 'المحتملين' لوقف أية صادرات تعتبرها من المواد مزدوجة الاستخدام مثل مفاتيح الفولطية العالية (التي يمكن أن تفجر القنبلة) ومسيطرات لاسلكية متخصصة مصممة للتعامل مع حجوم ضخمة من المواد الإشعاعية قد تستخدم في إعادة معالجة اليورانيوم والبلوتونيوم . ( مراحل تطور ..مجلس الأمة الكويتي . مشار له )



الاستمرار ببناء مصنع تخصيب اليورانيوم ومختبر للوقود في نتانز.

إنشاء شبكة تمويهية للمشتريات الخارجية متوزعة في عدد من بلدان العالم لشراء المعدات والأجهزة وأعادت تصديرها إلى إيران.

الاستفادة من المصانع الإيرانية وخاصة الثقيلة منها لعمل بعض المكونات التي تدخل في مسالك التكنولوجية النووية وصولا لتكنولوجيا السلاح.

عدم إعلان ميزانية محددة ومكشوفة واعتبار أن ميزانيتها غير خاضعة للمسائلة والكشف ويقال هي ضمن ميزانية الحرس الثوري غير المعلنة، إن الحرس الثوري يشرف عليها وهو المسؤول على برامج التسلح البايولوجي والكيميائي.



الإعلان عن بدأ العمل لإنشاء خمسة مفاعلات بحثية وباشرت عام2004 ببناء مفاعل بقدرة 40 ميكاوات. (سرور ميرزا محمود :

المنطقة العربية بين خطرين كلاهما مر .. مشار له. و مراحل تطور .. مشار له )



- وفي 1987 وافقت الارحنتين على تدريب الفنيين الإيرانيين كما حصلت إيران على يورانيوم بقيمة 5،5 مليون دولار وأعادت علاقتها مع عدد من الشركات والخبرات الألمانية. وفي نفس السنة أجرت إيران مفاوضات مع شركات أرجنتينية اسبانية لإكمال بناء محطة بوشهر النووية وبعد انتهاء الحرب في 1988 استفادت إيران من دروسها وحسمت موقفها ألتسلحي نحو إعطاء



الأولوية للسلاح النووي مع تطوير قدراتها الصاروخية فكان لها ما أرادت. ما بين (1991 ـ 2001)استكملت بنيتها التحتية وتنويع مصادر التكنولوجيا ومنها التوجه إلى الصين التي حصلت منها عام 2001 على 1000 كغ من غاز هكسافلوريد اليورانيوم، مع 400 كغ من مادة تترافلوريد اليورانيوم فضلا عن 400 كغ من مادة ديوكسيد اليورانيوم من دون ان تبلغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إن التوقعات الأمريكية أن إيران حصلت من الصين الكثير من المعامل والخبرات عن طريق اتفاقيات سرية ومنها علنية وتسارعت الإحداث حتى وصلت إيران إلى حالة الإعلان عن نجاحها في تجارب تخصيب اليورانيوم وبناء منظومات الطرد المركزي في جامعة الشريف وسعت إلى الحصول على اسطوانات الفلورين والمغانط اللتين تستخدمان في أجهزة الطرد المركزي؟. ولكن واقع الحال يشير إلى وصول أكثر من 100 خبير نووي روسي إلى موقع بوشهر في أوت من عام 1992. ( ا.د. عبد الكاظم العبودي : هل امتلكت إيران قنبلة نووية وكيف؟؟ البرنامج النووي الإيراني بين حقيقة السعي إلى تخصيب اليورانيوم و الحقائق المغيبة عن التسلح النووي الإيراني . شبكة البصرة . 1/11/08 )





هاليبيرتون، إحدى شركات مجموعة كارلايل الأمريكية ذات الأعمال والإستثمارات الأمريكية بأرقام فلكية، والتي يرأس مجلس إدارتها مجرم الحرب جورج هيربرت بوش "بوش الأب".



هذه هي شركة هاليبيرتون لمن لايعرفها.. والتي كشف تقرير نشرته "ديلي كوز" الأمريكية معززاً بشريط فيديو على ال "يو تيوب" يتعلق بمشكلة التلوث النفطي في خليج المكسيك، وكشفت فيه تحايل هاليبيرتون على موضوع (الحظر) الإقتصادي والتجاري الأمريكي على إيران بتمرير بيع تكنولوجيا نووية إلى إيران متخذة من جزر "كايمان" مركزاً تجارياً لهذا النشاط باعتبار هذه الجزيرة تقع خارج المنطقة الضريبية الأمريكية (!!!) ( علي الحمداني : شركة "ديك تشيني" تبيع التكنولوجيا النووية لإيران . شبكة البصرة . 18/6/2010 )



بعد هذا العرض السريع لقصة المفاعلات النووية الإيرانية نقول : هل يحق لأي إنسان مهما تكون درجة سذاجته أن يصدق ملالي التقية والمتعة بأنه ليس لديهم أي نية للحصول على السلاح الذري ؟ علما بأن ما سنعرضه عندما نتكلم عن القنبلة الإيرانية وعن أسلحة الدمار الشامل الإيرانية سنقدم صورة أكثر وضوحا .



ولكن قبل أن ننهي هذه المقالة من حق القارئ العزيز أن نقدم له فترة استراحة بذكر بعض القضايا التي صادفناها من خلال بعض المصادر التي ذكرت أعلاه .

1- إن الكاتب الفرنسي اريك لوران يذكر في كتابه الذي أشرنا له أعلاه :-



أ- بأن صدام حسين وقع ضحية تصوره عن الموقف الأمريكي عندما غزا الكويت ، وعندما وافقت المملكة العربية السعودية ، بعد ذلك ، على تواجد القوات الأمريكية على أراضيها ، سأل الكاتب المذكور أحد المسؤولين السعوديين الكبار عن موقفه من تواجد قوات مسيحية على أراضيهم للدفاع عنهم ، فكان جوابه : " بأن القرآن سمح للإنسان الجائع بأكل لحم الخنزير ." !! ! أرأيتم الذكاء والعبقرية !!! ؟



ب – إن مختبر العالم الباكستاني عبداقادر خان كان يمول من ميزانية سرية في العربية السعودية ، من خلال مؤسسات إسلامية تديرها العائلة المالكة ، وهذه الأموال هي التي تسمح لإيران بامتلاك السلاح الذري لغرض فرض سيطرتها على المنطقة ، والذي يؤدي بالنتيجة بإلحاق الضرر بالسعوديين .



2- إن المترجم لكتاب ( سطوع نجم الشيعة ) المشار له – والظاهر بأنه مصري لكون الكتاب قامت بنشره مكتبة المدبولي – القاهرة – وقع في أخطاء لا يمكن تجاهلها . منها :



أ – ننقل نصا " وكان والد الخوميني يدعى سعيد مصطفى . ويميز هذا اللقب " سعيد " حامله بأنه من أهل البيت . فكل من يدعى " سعيد " ينسب نفسه للسلالة المباشرة للنبي محمد ( ص ) . وينظم بهذا إلى الأسرة المفضلة التي خصها الله بالسلطة في الدولة الإسلامية بعد وفاة محمد (ص ) عام 632 ...."

لا نريد التعليق على عبارة ( خصها الله بالسلطة .. الخ ) حيث نرى أنه كان الواجب على المترجم أن يقول " وفق المذهب الشيعي " خلافا للمذاهب السنية ..

ولكننا نقول بأن كلمة " سعيد " هذه كررت مئات المرات في الكتاب دون أن ينتبه المترجم بأن المقصود منها " سيد " .



ب – كما أن المترجم كرر كلمة " موالي " بدلا من " ملالي "

وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على سعة اطلاع مترجمنا وعبقريته !! اللهم لا شماتة . ولكن من حقنا أن نقول كان على المترجم ، والذي حسب تقديرنا قام بترجمة هذا الكتاب دون أن يطلع على أي مقال عن إيران أو عن الشيعة وبالأخص بعد وصول خميني للسلطة في إيران ، على الأقل طلب قراءة الترجمة من قبل أحد الذين لديهم إلمام بالموضوع . ولكن الظاهر أن مترجمنا معتد بنفسه وواثقا بمعلوماته عن الموضوع المتعلق بالكتاب المترجم !!



والله من وراء القصد .



الدكتور عبد الإله الراوي

دكتور في القانون وصحافي عراقي سابق مقيم في فرنسا

hamadalrawi@maktoob.Com





للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا


يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ١٣ رجــــب ١٤٣١ هـ
***
الموافق ٢٥ / حزيران / ٢٠١٠ م
الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور

المشاركات الشائعة